خطبة عن (الزكاة والصدقة والفارق بينهما)
يوليو 8, 2017خطبة عن (القصد والعفاف)
يوليو 8, 2017الخطبة الأولى ( الطاعة مفتاح السعادة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد :28) ، وقال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} الرعد 29، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ ) ، وفيه أيضا : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ )
إخوة الإسلام
إن طريق السعادة والنعيم والراحة هي طريق الله ، هي طريق الطاعة والالتزام بمنهج القرآن ، والطاعة سبب في الرضا ،والرضا أصل كل سعادة ، ومع هذه السعادة بركة ، بركة في كل شيء في الرزق وفي العمر وفي الأولاد وفي الزوجة وفي كل شيء ، ويصدِّق ذلك القرآنُ الكريم إذ يقول ربنا تبارك اسمه :{ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل:97-96) ، وقال أحمد ابن حنبل في الزهد سمعت وهبا يقول : « إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل : إني إذا أُطِعت رضيت ، وإذا رضيت باركت ، وليس لبركتي نهاية ، وإني إذا عُصِيت غضبت ، وإذا غضبت لعنت ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد » ، ويقول سيد قطب : وأن العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياة طيبة في هذه الأرض . لا يهم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال . فقد تكون به ، وقد لا يكون معها . وفي الحياة أشياء كثيرة غير المال الكثير تطيب بها الحياة في حدود الكفاية : فيها الاتصال بالله والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه . وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة ، وسكن البيوت ومودات القلوب . وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الضمير وآثاره في الحياة . . وليس المال إلا عنصراً واحداً يكفي منه القليل ، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله ) .
أيها المسلمون
وتأملوا معي قول ابن عباس رضي الله عنه والذي يبين فيه ما يحصده الطائعون من ثمار حسناتهم ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : « إنَّ للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسَعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق . وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق» . فالسعادة في الهدي والنور والشقاء والضيق في الغي والظلام . قال تعالى : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (الأنعام :122) ، فيا من تبحثون عن السعادة مع أزواجكم وأولادكم وفي أعمالكم والتوفيق في حياتكم الدنيا والسداد في آرائكم واختياراتكم , الطريق من هنا , ما تبحثون عنه في التقوى في الطاعة في فعل الحسنات في عمل الخيرات . في التقرب إلي الله والبعد عمَّا يغضبه ، روى البخاري : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » .فكيف يكون حالك إذا كنت تري بنور الله وتسمع بسمعه وتسير ببركته وما تتمنى فطوع إرادتك وإذا كنت مسددا مجبورا مستورا ؟! ،قال تعالى : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة :256-257)
أيها المسلمون
أما من أخطأ الطريق وظن أن طريق السعادة في جمع المال ، وقال (أن التجارة شطارة) فغش ودلس في سبيل المال والربح الكثير ووطأ علي رقاب الضعفاء والمساكين باسم التجارة والاقتصاد وتاجر بالأطعمة الفاسدة واحتكر فقد أخطأ الطريق . ومن حسب أن طريق السعادة في السلطان والجاه وقال إن السياسة خداع ومراوغة فكذب ودلس وزور وقال بالبهتان وظن أن هذه هي الفطنة والذكاء وانتظر من بعدها السعادة فقد أخطأ الطريق . ومن حسب أن السعادة في الطعام والشراب والنساء والملذات والشهوات فقد أخطأ الطريق وضل ضلالا مبينا . إنما السعادة أن تطعم بطونا جائعة وتكسوا أجسادا عارية وتداوي أناسا مرضى وأن تخفف عن آلام المتألمين أو أن تزيح الهم والحزن عن المهمومين هذه هي السعادة الحقيقية ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ « إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ » . رواه أحمد وحسنه الألباني. هذه هي مليِّنَات القلوب .فلم يصف له إجازة في مصيف أو أكلة شهية أو نومة هنية أو قصرا مريحا أو سيارة فارهة – ولسنا نحرم شيئا من هذا فربما احتاجها المرء – بل وصف له طاعة يتعدى نفعها إلي غيره , أن يفعل الخير للناس… وهي التي تلين القلب وتزيح عنه قسوته . فمن حافظ علي المعروف بينه وبين الناس وحافظ علي الخلق الحسن فسوف يشعر بكل سعادة وكل طيب في الدنيا وله في الآخرة الأجر الجزيل .قَالَ الْحُطَيْئَةُ : وَلَسْت أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ *** وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ ، وكَانَ ابْنُ عَطَاءٍ يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ: مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ.. لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ بِدُونِكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً. ولما حضرت معاذا رضي الله عنه الوفاة قال : اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا ،وطول البقاء فيها لجرى الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر. (الثبات عند الممات – ابن الجوزي)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الطاعة مفتاح السعادة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إننا بحاجة إلى أن نجعل معرفتنا بالله ومن ثم طاعته تستقر في القلب وترسخ فيه وتنمو شيئا فشيئا حتى تشكل الجزء الأكبر من المشاعر، فيصير حبه سبحانه أحب الأشياء لدينا وخشيته أخوف الأشياء عندنا، وهكذا في بقية المشاعر فتظهر تبعاً لذلك الثمار الطيبة لهذه المعرفة النافعة والطاعة المثمرة كما في الحديث : عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ » البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ طَعْمَ الإِيمَانِ » ، وعند مسلم عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً » . أي استقر الحب في قلبه فإذا ما اكتفت الطاعة علي وقت معين أو موسم فقط، ولم تصل إلى الدوام عليها والاستمرار ، ولم يستقر حبها في القلب، لن تظهر ثمارها راحة وسعادة واستقرارا . وهكذا يتضح لنا أنه لكي نصل إلي حالة الرضا والاستقرار علينا بالطاعة المثمرة التي يكون القلب فيها حاضرا خاشعا أي الطاعة المؤثرة وكلما ازدادت مساحة هذه الطاعة، ازداد انجذاب المشاعر لله عز وجل، وتمكن الإيمان من القلب، وتجلت فيه أنواره، وظهر أثر ذلك على حالة العبد، فيسعد بحياته ويري كل الأمور ما دامت في رضا الله يراها خيرا ، وصدق ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم : ( عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ » .
الدعاء