خطبة عن قوله تعالى(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)
يونيو 18, 2017خطبة عن ( العلاقة بين الصلاة وسعة الرزق)
يوليو 1, 2017الخطبة الأولى ( الخشية من الله بِالْغَيْبِ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ.. وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) الانبياء 49..
إخوة الإسلام
من صفات المؤمنين أنهم يخشون ربهم.. وأنهم مشفقون من أهوال يوم القيامة .. والخشية ..هي الخوف من الله ..وهي اضطراب القلب ووجله من تذكر عقاب الله .. وناره ووعيده الشديد لمن عصاه.. “..فالخوف من الله.. سراج يضئ في القلب، به يبصر المؤمن الخير من الشر.. لذا قال أحد الصالحين ..ما فارق الخوف قلبا إلا خرب”، وقال آخر: “إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منها ..وطرد الدنيا عنها”، وقال ذو النون: “الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق ، والخوف خوفان ..خوف محمود.. و هو ما حجزك عن محارم الله… وخوف مذموم.. وهو ما يؤدي الى اليأس والقنوط من رحمة الله..فالخشية الحقة هي التي تربي القلب حتى لا يفرق بين معصية كبيرة وصغيرة.. فلا ينظر إلى صغر المعصية، ولكن ينظر إلى عظمة من عصاه.. والخوف والخشية من الله.. هي من أعلى المقامات وأشرفها .وأسمى الصفات وأرفعها.. وهي صفةَ من صفات الملائكة المقرَّبين.. قال الله تعالى عن الملائكة: ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل 50 . وهي صفةَ من صفات النبيين قال سبحانه عن أنبيائه :(الَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ..وَيَخْشَوْنَهُ ..وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ) الاحزاب 39.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ). وهي صفة من صفات العلماء ..قال تعالى( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) فاطر 28… وهي صفة من صفات المؤمنين الموحدين ..قال تعالى: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) الانبياء 49 ،وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) الملك 12… بل وهي صفة من صفات الجبال الراسيات ..قال تعالى : ( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ. وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ .وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) البقرة 74 ، ويوم غابت خشية الله ومراقبته.. أجمع أخوة يوسف على رميه في غياهب البئر.. وحينما وجدت الخشية ..قال يوسف عندما تهيأت له امرأة العزيز : (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) يوسف 23 ،فاذا كانت الجبال الراسيات تخشى الله وتخافه.. فما بال قلوبنا في غافلتها غارقة.. ومتى تجد الخشية إلى قلوبنا سبيلا ..
أيها المسلمون
ماهي علامات الخشية والخوف من الله؟. من علامات الخشية والخوف من الله : أن الذي يخشى الله ويخافه.. يحجزه خوفه وخشيته عن المعاصي والمحرمات، فلا يأكل مالا حراما، ولا يشهد زورا، ولا يحلف كاذبا، ولا يخلف وعدا، ولا يخون عهدا، ولا يغش ولا يخون ، ولا يمشي بالنميمة، ولا يغتاب الناس، ولا يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يزني، ولا يتشبه بالنساء، ولا يتشبه بالكفرة أعداء الدين، ولا يتعاطى محرما، ولا يشرب المسكرات ولا المخدرات، ولا يهجر مساجد الله، ولا يترك الصلاة في الجماعة، ولا يضيع أوقاته في اللهو والغفلة، بل تجده يشمر عن ساعد الجد، يستغل وقته كله في طاعة الله، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ » رواه الترمذي، ومن علامات الخوف والخشية من الله .. أن تخاف ألا تقبل عباداتك .. فقد روى الترمذي : (أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) المؤمنون: 60 ، قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ.. (أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ » المؤمنون :61.. ومن علامات الخوف من الله ..البكاء من خشية الله.. (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ » )… ومن علامات الخشية ..ترك الطمع في دار الغرور ..والرغبة في دار الخلود ..والاستعداد ليوم الرحيل..
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الخشية من الله بِالْغَيْبِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
تعالوا بنا نستعرض بعضا من مشاهد خشية الأنبياء والمرسلين ..وكذا عباد الله الصالحين ..لتكون لنا فيها أسوة وعبرة.. ونبدأها بخشية رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يقول (فَوَ اللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ) متفق عليه .. فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي أَوْ فِي بَيْتِي فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ فَأُلْقِيهَا » ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما رأيت رسول الله مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى منه لهواته, إنما كان يتبسم قَالَتْ .وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ . قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا ، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ . فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ..عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) رواه مسلم ، ومن شدة خوف عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما: “لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا لخفت أن أكون أنا هو”).. وروى عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن البصري فقيل له: ما يبكيك؟! قال: أخاف أن يطرحني في النار غدا ولا يبالي. ..وراود رجل امرأة في ظلمة الليل, فقال: لا يرانا من أحد إلا هذا الكوكب. فقالت: وأين مكوكبها؟ فوجل وأقلع.. وقال عمر بن عبد العزيز: “من خاف الله أخاف الله منه كل شيء, ومن لم يخف الله خاف من كل شيء”.
أيها المسلمون
أما عن جزاء أهل الخوف والخشية من الله ..فتبينها لنا الآيات والأحاديث التالية.. قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ .لَهُمْ مَغْفِرَةٌ. وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) الملك: 12 ، وعن أبي هريرة عن النبي فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال : (وعزتي، لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين؛ إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة) صحيح ابن حبان ، وفي مسند البزار: ( عَنْ أُمِّ كُلْثُومَ بِنْتِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ أَبِيهَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْبَالِيَةِ وَرَقُهَا). وروى البخاري ومسلم : ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ) وذكر منهم: (وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ) ،وروى الترمذي وابن ماجه وحسنه النووي : ( عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ « كَيْفَ تَجِدُكَ ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ » وقال الحسن: “إن الرجل ليذنب الذنب فما ينساه, وما يزال متخوفًا منه حتى يدخل الجنة”…فأهل الخشية هم السعداء في الدنيا, والفائزون في الآخرة قال الله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور 52.. وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) البينة 7 ،8 ،ألا فكونوا عباد الله ممن يخشون ربهم بالغيب ويخافون سوء الحساب
الدعاء