خطبة عن ( أهمية الصلاة وفوائدها )
مارس 17, 2018خطبة عن ( لطائف ووقفات مع سورة النمل)
مارس 17, 2018الخطبة الأولى ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة 2، وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي فَقَالَ « مَا عِنْدِي ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ». وروى الترمذي في سننه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ يَسْتَحْمِلُهُ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَتَحَمَّلُهُ فَدَلَّهُ عَلَى آخَرَ فَحَمَلَهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ « إِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ».
إخوة الإسلام
في قوله صلى الله عليه وسلم « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ » يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ عظيما من مبادئ الإسلام ، والتي يجسدها في أبنائه، والذي ينبع من منطق الإنسانية والرحمة والتكافل والتعاون، فكل هذه المعاني الراقية ،موجودة في الإنسان بفطرته السليمة، ومغروسة في المسلم بتمسكه بدينه وتعاليمه. وفعل الخير لا يقتصر على أداء الطاعات والفرائض، فهذه من الخيرات التي هي من حق الله، ولكن هناك خيرا من حق العباد، فمن حق الناس الذين يعيش معهم الإنسان ويتبادل معهم أسباب الحياة أن يدلهم إلى الخير، وأن يفعل من أجلهم الخير ، وأن يحذرهم من الشر؛ وقوله صلى الله عليه وسلم « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ » : معناه :أن من دلَّ غيره على فعل حسنٍ، فله أجر الدلالة، وله ثواب يُشبه ثواب الفاعل الحقيقي ، وقد اختلف العلماء في المراد بحقيقة المثلية المذكورة في الحديث: فمنهم من ذهب إلى أن الدال كالفاعل في حصول مطلق الأجر لا المساواة ، ومنهم من ذهب إلى القول بظاهر الحديث من أن الدال له مثل أجر الفاعل حقيقة. وجاء في التنوير شرح الجامع الصغير: “قال : ظاهر الحديث المساواة، وقاعدة الشريعة أن الأجر على قدر المشقة؛ إذ مشقة من أنفق عشرة دراهم ليس كمن دلّ، ويدل عليه أن من دلّ إنسانًا على قتل آخر يعزر ولا يقتص منه. وفي شرح السيوطي على مسلم: “قال النووي: المراد أن له ثوابًا كما لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء. وذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو بغير تضعيف. واختار القرطبي أنه مثله سواء في القدر والتضعيف، قال: لأن الثواب على الأعمال إنما هو بفضل من الله، فيهبه لمن يشاء على أي شيء صدر منه، خصوصًا إذا صحت النية التي هي من أصل الأعمال في طاعة عجز عن فعلها لمانع منعه منها ، فلا بعد في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل أو يزيد عليه”. وعلى هذا؛ فالمدار على صحة نية الدال على الخير، فعلى قدر صدقه وإخلاصه يعظم أجره. وكما قال المناوي: “بل قد يكون أجر الدال أعظم، ويدخل فيه معلم العلم دخولًا أوليًّا”. وكلما ازداد عدد المنتفعين بعلم العالم أو ناشر العلم ازداد أجره بإذن الله جل وعلا، مع الأخذ في الاعتبار أن الناس يتفاضلون في أجرهم كذلك على حسب إخلاصهم وصدقهم، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ » ، تظهر عظمة الإسلام في تشجيع المسلمين على هذه المبادئ الراقية، بأن جعل لمن يدل على الخير أجرا كأجر من قام بهذا الخير، وهكذا يكون التعاون بين الناس ،حيث قُدر لكل فرد قدر من المال، وقدر من العلم، وقدر من الصحة، وهو يسير في حياته وفقًا لما قدره الله له، ويقدم المساعدة والمعونة لغيره بالقدر الذي يستطيع، فإذا كان قد طلب منه معونة أو مساعدة في شيء لا يملكه، فليستخدم ما يملكه للتوصل لشخصٍ يملك المساعدة، ولا يقتصر هذا الخير على طلب المال فقط، بل في مجالات الحياة الكثيرة؛ قد نجد بعض المواقف التي تكون عائقًا عند البعض فيبحثون فيمن حولهم عن حل، ويأتي الحل من أشخاصٍ لم يعرفوهم إلا من شخصٍ دلهم عليه، فيغدو العالم على اتساعه، والناس على تعدد أوصافهم واسمائهم يغدون كعائلةٍ واحدة، كقائمة أسماءٍ في صفحة واحدة يسهل الوصول إليهم بفعل دال الخير. ومن النماذج على دال الخير: طالبٌ تعسّر عليه حل بعض المسائل ،فسأل صديقه الذي يدرس معه ، فأخبره أنه لم يفهم هذه المسألة من أستاذه بالأصل، ولكنه يعرف صديقه الآخر يفهمها جيدًا ،ومستعد لأن يفهمها لأي شخص، فهذا الخير هو نشر العلم ،فسيكون له من الأجر العظيم، وكثيرون من يطلبون المال فلا يجدون عند من يطلبون منهم ،ولكن أحدهم يدلهم على تاجرٍ كريم معطاء، فيذهبوا إليه فيجزل لهم مما فتح الله عليه من المال، فهذا الخير هو الصدقة. والذي يدل على الخير ينال أجره في الدنيا والآخرة، فأجره في الآخرة هو بقدر الخير الذي قُدمه لمن احتاجه، وأما في الدنيا فكما تُدين تُدان، وسيأتي يومٌ تتبدل فيه الأحوال، وقد يكون الشخص في حاجة غيره ،فيجد من يدله ، قبل أن يتكبد العناء والشقاء. وقد أمرنا الله – تبارك وتعالى – بالتعاون على البر والتقوى فقال تعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة 2, والإرشاد إلى الخير ،وفعل المعروف ،هو من التعاون على البر والتقوى، كما أن الدلالة على الشر، أو الإعانة عليه ،جالبة للوزر ،فقد روى مسلم في صحيحه (عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ « (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ – حَتَّى قَالَ – وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ – قَالَ – ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ». وأفعال الخير كثيرة جداً, وعلى كل إنسان أن يعمل جاهداً في طاعة الرحمن، مسارعاً فيها، متخيراً منها ما يستطيعه؛ فإنما هذه الحياة ساعة قريب تمامها ، قال الله تعالى : {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} البقرة 197.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أوجه الدلالة على الخير ، أن تدل العباد على ما فيه نجاتهم من عذاب الله ،ومن ذلك التمسك بالإيمان بالله ورسوله ،وجهاد الكفار وقد قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (10) ،(11) الصف ،ومن أوجه الدلالة على الخير : “اعدَّ برنامجا للدعوة إلى الله عز وجل ، أو اعدَّ برامج لمساعدة المحتاجين والأرامل والأيتام ، أو اعدَّ برامج لدعوة غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام ،أو اقترح برنامجاً للإصلاح بين الناس ، أو فكر في طرق تسهيل حفظ القرآن على الناس وسرعة تذكره ، فكلما نفذ برنامج فلك مثل أجر فاعله مع ما يصلك من الأجر بمجرد الدلالة لأنها أمر بمعروف. ومن أوجه الدلالة على الخير : قم بدلالة التجار على الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين ومحتاجي الزواج من الشباب وغيرهم ، أو على المساجد التي تحتاج إلى بناء ، أو إلى حفر الآبار في القرى المحتاجة وإلى بناء المساكن للفقراء وإلى توزيع زكاتهم في مصارفها الحقيقية لتحصل على مثل أجرهم. ومن أوجه الدلالة على الخير : أن من عرفت أنه يرغب في الزواج فدله على الفتاة الصالحة (ذات الدين) التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا عرفت من ترغب في الزواج من النساء ، فدلها على الرجل (الذي يرضى دينه وخلقه) ،ودل كل مسلم على ما يتناسب معه : فمن رأيته من أهل الغضب فقل له “لا تغضب” ،ومن رأيته قليل الذكر لله ، فدله على الإكثار من ذكر الله ،ومن رأيته يتخلف عن الصلاة ،أو عن صلاة الفجر ،فدله على الصلاة وعلى صلاة الفجر وهكذا. ومن طلب منك أن تدله على عمل يدخل به الجنة ويباعده عن النار فدله على القيام بالفرائض وترك المحرمات ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ « تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّى الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ ». قَالَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا ».
الدعاء