خطبة حول دعاء الرسول ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ)
يناير 28, 2023خطبة عن حديث ( أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ)
يناير 31, 2023الخطبة الأولى ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته على لسان نبيه إبراهيم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (39): (41) إبراهيم
إخوة الإسلام
إن من الأدعية الجليلة ، والتي جاءت على لسان خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام)، في كتاب ربنا الجامع للخيرات الدنيوية والأخروية ، والتي ذكرها الله تعالى لعباده المؤمنين لملازمة الدعاء بها، والعمل بمقاصدها ومضامينها، هذا الدعاء : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)، « إبراهيم:40».،قال الامام البغوي في تفسيرها : (رب اجعلني ممن يقيم الصلاة بأركانها ، ويحافظ عليها ، واجعل من ذريتي من يقيمونها، ربنا وتقبل دعائي، وعملي وعبادتي، وسمى العبادة دعاء، ومعناه : استجب دعائي يا رب ، واجعلني ممن يحافظ على الصلاة في أوقاتها وأركانها وشروطها، وخصّ إقامة الصلاة بالدعاء : لأهميتها ولكونها شعار الإيمان ورأس الإسلام، واجعل كذلك بعض ذريتي من يقيمها على الوجه الأتم والأكمل، وإنما خص بعض ذريته بهذا الدعاء لعلمه بإعلام الله له، أن من ذريته من لا يقيم الصلاة أو لا يصلّون ، وهذه الدعوات من خير الدعوات التي يدعو بها العبد المؤمن له ولذريته، فلا أحب له من أن يكون مقيماً للصلاة هو وذريته على الوجه الأكمل والأتم، ولا يخفى في تكرار التوسل بربوبية الله تعالى لكمال التضرع والتذلل بين يديه، وإظهار أن كل دعوة من هذه الدعوات مقصودة بالذات.
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى :(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) إبراهيم (40)، فهذه الآية تصور لنا مشهدا لنبي الله إبراهيم الخليل -عليه السلام – الضارع الخاشع الذاكر الشاكر ، وهو يدعو ربه الكريم ، ويتذلل بين يديه سبحانه ، ليرد الجاحدين إلى الاعتراف ، ويرد الكافرين إلى الشكر ، ويرد الغافلين إلى الذكر ، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم ، لعلهم يقتدون بها ويهتدون ، وقد كان نبي الله إبراهيم عليه السلام رحيما شفيقا بأمته وذريته ، فلم يكن يفوت فرصة إلا ويسأل الله سبحانه الخير لهم ، وهذا الدعاء يبين عظيم عناية نبي الله إبراهيم عليه السلام بالصلاة، واهتمامه أيضًا بذريته، حيث جعلهم مشمولين بهذا الدعاء، فقوله :(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ) : فالمفهوم الحقيقي لإقامة الصلاة :هو أداء الصلاة بأفعالها، وركوعها، وسجودها، وخشوعها، والتذلل بين يدي الملك الحق- عز وجل- والتفكر فيما يقرأ من القرآن والأذكار، في مختلف أركان الصلاة، ثم أداء الصلاة مع الجماعة في بيوت الله، وإلقاء الدنيا وراء الظهور، والإقبال على الله، ثم المحافظة على الصلوات الخمس حين ينادى بهن، ومن إقامتها أيضا : المحافظة على ركوعها وسجودها بمعنى: أن لا ينقرها نقراً كنقر الغراب الدم، وأن يسوي ظهره في الركوع، فلا يرفعه ولا يخفضه، وأن يعتدل بدون كسل ولا ملل، وألا يقعي كإقعاء الكلب، ولا يسجد على ذراعيه، ولكن على كفيه، وأن يضع جبهته على الأرض، ولا ينقرها نقراً، وأن لا يكثر من الحركات، أما الالتفات لغير حاجة ماسة فهو يبطلها ، ومن إقامتها المحافظة على خشوعها: والخشوع هو لب الصلاة، وهو المقصود منها، وبهذا تكون الإقامة الحقيقية، وبهذا يكون المفهوم الحق لإقامة الصلاة، فليس المراد منا فقط أن نقوم ونركع ونسجد، وقلوبنا ذاهبة كل مذهب، ونحن معرضون عن الرب، ثم نسلم وكأننا ما دخلناها
أيها المسلمون
وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)، فذرياتنا وأبناؤنا هم قرة عيوننا، وبهجة نفوسنا، وثمرة حياتنا، ومصدر من مصادر سعادتنا في هذه الحياة ، هم زينة الحياة، ونعمة الإله، ولا يسعد الإنسان مهما كان عنده من أسباب السعادة إلا أن يرى أبناءه سعداء صالحين، مطيعين لربهم،نافعين لأنفسهم ودينهم وأوطانهم، فلا جرم أن يسعى الآباء في سبل إصلاح الأبناء ويأخذوا بكل الأسباب لهذه النتيجة، ومن أهم ذلك الدعاء لهم بالصلاح ، وقد جرت سنة الله أن البيوت الصالحة (بحق) يخرج أبناؤها صالحين، وهي حقيقة أثبتها القرآن والواقع، وهو مما استقر في فطر الناس ، أما القرآن فقد قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} (الأعراف:58). ، فالأصل أن صلاح البيت معه صلاح الذرية، غير أن الله قد يخرق هذه العادة، كما في قصة نوح وابنه، ليعلم الناس أن الهداية والصلاح بيد الوهاب الفتاح، فتبقى قلوبهم متعلقة به مهما فعلوا وبذلوا، ولتلهج ألسنتهم بدوام الدعاء لهم ولأبنائهم بالهداية والصلاح والسعادة والفلاح، ونظرًا لما للدعاء من أثر عظيم في صلاح الأبناء وجدنا خير خلق الله تعالى- وصفوتهم الأنبياء والرسل يسألون ربهم ويلحون عليه -سبحانه- أن يصلح لهم ذرياتهم، فهذا سيدنا إبراهيم يرفع أكف الضراعة طالبًا من الله -تعالى- أن يرزقه أبناء صالحين مصلحين فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]. ، وعلى نفس الطريق سار سيدنا زكريا -عليه السلام-؛ إذ دعا الله -تعالى- لأبنائه قبل أن يولدوا، إننا نراه يدعو الله -تعالى- أن يرزقه ولدًا صالحًا مرضيًّا عند الله وعند الناس، يتحمل معه أعباء النبوة والدعوة إلى توحيد الخالق -سبحانه- قائلاً: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ﴿٥﴾ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 5-6]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو لأبناء المسلمين: ففي الصحيحين أن أسماء -رضي الله عنها- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمولود لها، تقول: “ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ” [متفق عليه]. وعن أنس -رضي الله عنه- قال: “جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ أَزَّرَتْنِي -ألبستني إزارًا- بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي -ألبستني رداءً-بِنِصْفِهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ». قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ). وفي رواية: «وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ» [رواه مسلم]. وأخرج البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ الْخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا قَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا. فَأُخْبِرَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» [متفق عليه]. ويستجيب الله -تعالى- لدعائه -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس ويصير حبر الأمة وترجمان القرآن، وعلى هذه الخطى سار السلف : فهذا الفضيل بن عياض -رحمه الله- يدعو لولده فيقول: “اللهم إنك تعلم أني اجتهدت في تأديب ولدي فلم أستطع، اللهم فأدبه لي”، وهو مع هذا لم يتوانَ عن تعهده بالإصلاح والرعاية وحسن الأدب، لكنه يعلم أن الأمر كله لله فيدعوه -سبحانه- ويتضرع إليه في إصلاح ولده؛ فيستجيب الله -تعالى- دعاءه ويصلح له ولده
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله (رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) ، فالدعاء هنا هو بمعنى الدعاء والعبادة ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :” الواجب على المؤمن أن يعلق قلبه على الله – عز وجل – وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، وإليه يرجع الأمر كله ، قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق 3،، والمسلم لا يزال يدعو الله ويسأله المغفرة ، مع أنه قد يكون ممن يسرف على نفسه ويفعل السيئات ، والمسلم لا يزال يسأل الله الجنة ، ويستعيذ بالله من النار ،فالعبد المسلم لا يزال محتاجا إلى ربه في شأنه كله ، سواء كان مستقيما أو مقصرا .وقد روى النسائي ( عن أَنَس بْن مَالِكٍ ، قال: ” قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: ( مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ) حسنه الألباني ” صحيح الجامع” ، فعلى المسلم أن يستعين بالله ويحسن الظن به ولا يعجز ، ولا يسلك سبيل أهل الخور والضعف ، وسوء الظن بالله ، وإن بدا منه تقصير في العمل ، فإنه عسى بالدعاء وحسن الظن بالله أن ينصلح حاله ويحسن العمل .
الدعاء