خطبة عن أخلاق الأنبياء ،وقوله تعالى ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )

                    الخطبة الأولى ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (83) :(90) الأنعام

إخوة الإسلام

الأنبياء والرسل (عليهم الصلاة والسلام) هم الذين بلغوا رسالات الله تعالى إلى أقوامهم ،وهم صفوة خلق الله ،ولهم من الفضائل والخصال ما لا يصل إليه غيرهم ،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ،وقد أُمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بمتابعة منهج الأنبياء والمرسلين السابقين, فقال الله سبحانه 🙁 أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: 90)،

وهؤلاء الأنبياء والرسل قد حباهم الله سبحانه وتعالى  كمال الخَلق والخُلق ،حتى لا ينصرف الناس عن دعوتهم ،بزعم دمامة الشكل أو الطبع ،فالأنبياء جميعاً ما يصدرون إلا عن أمر ربهم جل وعلا، وليست الرسالة نابعة من نفوسهم ،أو نتيجة عوامل اجتماعية تكون في زمانهم ،بل هي وحي الله إليهم ،فكل نبي من الأنبياء يقول: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) الاحقاف (9)، ولا يملك النبي أن يغير ،ولا أن يبدل ،ولا أن يزيد أو ينقص من وحي الله شيئاً ،وقد قال تعالى عن نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم (3) ،(4) ،وقال الله سبحانه 🙁قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس (15)، والأنبياء عليهم السلام في دعوتهم لا يطلبون أجرهم إلا من الله ،فهذا هود عليه السلام يخاطب قومه فيقول:(يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ) هود (51)، ويقرر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نفس الحقيقة فيقول:(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ص (86) ،  

والأنبياء جميعا عليهم السلام لم يكن هدفهم إلا إخلاص الدين لله ،وأن يصرفوا وجهة البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ،قال الله تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة (5)، وما من نبي إلا وبعث بلسان قومه ،ليبين لهم ,فهم يسيرون مع الفطرة ،ويخاطبون الناس على قدر عقولهم ،بلا تكلف ولا تقعر ولا تشدق ،قال الله تعالى : (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) ص (86) ،وقد أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه وتعالى 🙁 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

فطريقة الأنبياء واضحة ودعوتهم ظاهرة ،وأقرب الطرق في دعوة الخلق هي طريقة القرآن ،فنحن لا نحتاج معها لمناهج كلامية فلسفية، والأنبياء جميعاً آثروا الباقية على الفانية، وغلب عليهم الزهد في الدنيا ،والرغبة في الآخرة ،لأنهم أيقنوا أن : (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الشورى (36)، وقد خاطب سبحانه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى 🙁وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) طه (131)،

والأنبياء هم أكمل البشر خلقاً ،وأشرفهم نسباً ،وأعظمهم أمانة ,اصطفاهم الله سبحانه وتعالى على علم على العالمين ،فهم أسوة وقدوة البشر أجمعين ،وأصدق الخلق لهجة، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) ص (45): (48) ،وقال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام:(قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الأعراف (144) ،والأنبياء في دعوتهم وتركيزهم على قضية العبودية وقولهم للناس: (يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الاعراف (59) ،وكانوا أيضاً يعالجون الآفات والعيوب التي شاعت في أممهم ،ويردونهم للأخلاق الفاضلة ,فنبي الله شعيب عليه السلام كان يعالج تطفيف المكيال والميزان في قومه مدين ، قال الله تعالى : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) هود (84) ،(85) ،ونبي الله لوط عليه السلام كان يحذر قومه من فعل الفاحشة ،ومن قطع السبيل، فقال لقومه:(أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) الشعراء (166)، وقال تعالى : (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)  العنكبوت 29،

أيها المسلمون

وإذا أردنا تكميل معاني الأخلاق حتى تؤتي ثمارها ،فعلينا بالحيطة لجناب التوحيد ،وجناب التشريع ،استنانا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقد غرس صلوات الله وسلامه عليه في نفوس أصحابه أصلين عظيمين ,الأول : أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً ،الثاني : أن يعبدوه بما شرع ، وليس بشرع أحدٍ سواه ,ولم يسمح صلى الله عليه وسلم لأحدٍ من أصحابه أن يخدش أصلاً من هذين الأصلين , ولذلك لما رأى يوماً بيد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ورقة من التوراة ,وكان عمر قد أعجبه ما فيها ,غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً ، ففي مسند أحمد : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَغَضِبَ وَقَالَ « أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لاَ تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي », والحيطة لا تقتصر على الأفعال ،بل تتعداها إلى الأقوال ,ففي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ »

ولا يجوز التأصيل للأخلاق وغيرها أولا ثم يلوى أعناق النصوص الشرعية لتوافق هذه الأصول ، قال الله تعالى 🙁يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الحجرات (1)، فالواجب أن نستقي أصولنا ومناهجنا وأخلاقنا من كتاب الله ،ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا نسمح لأنفسنا ولا لغيرنا بخدش النصوص الشرعية، ولنا في نبينا أسوة حسنة وقدوة طيبة ,والأدلة على ذلك كثيرة ,ومنها: ما رواه أحمد في مسنده 🙁 عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى رَجُلاً يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْنِ لَهُ فَقَالَ « مَا هَذَا ». فَقَالُوا َا رَسُولَ اللَّهِ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِياً. فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ تَعْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْكَبْ ».وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِىَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ وَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ».،وفي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ » ،ومن أدلة ذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل- مما جعله يفرط في حق امرأته دعاه إلى الاعتدال ،ففي الصحيحين واللفظ للبخاري: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضى الله عنهما – قَالَ :قَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ » . فَقُلْتُ نَعَمْ . قَالَ « إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ، صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ » . قُلْتُ فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ « فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى »، ومن ذلك أيضا ما جاء في الصحيحين : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ . قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي »

                           أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                    الخطبة الثانية ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

فالطريق الموصل إلى الله وإلى جنات النعيم هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز تخطيه ،ولا تعديه , بل لا بد من الاتباع لا الابتداع ،وعلى هذا النهج الواضح سار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ،فلم يسمحوا لأحد بخدش جناب التوحيد أو التشريع، ومن أمثلة ذلك ما روي في الصحيحين : (عَنْ عُمَرَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ ،فَقَالَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ ، وَلَوْلاَ أَنِّى رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ). ،وفي سنن الترمذي : (عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلاً عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ).,وفي سنن الدارمي : (قَالَ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ ،فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ ،فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ :أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا : لاَ ،فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ ،فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعاً ،فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفاً أَمْراً أَنْكَرْتُهُ ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ : فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ : إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ – قَالَ – رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ ،فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً ، فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِائَةً ، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً. قَالَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ. قَالَ : أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ. ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ .قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ،وَالَّذِى نَفْسِى فِي يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ،أَوْ مُفْتَتِحِي بَابِ ضَلاَلَةٍ. قَالُوا : وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ : وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ)، فكل زيادة أو نقص في العبادات أو السلوك يراد به التقرب إلى الله تعالى وإصلاح النفس إنما هو بدعة مرفوضة, حتى لو حسنت وصلحت النوايا ،طالما لم يوافق العمل شرع الله .  

                                             الدعاء