خطبة عن (اللَّهُ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ)

                          الخطبة الأولى (اللَّهُ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ)

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

 في سنن النسائي وصححه الالباني: (عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ (الفضاء الواسع من الأرض)، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ».

إخوة الإسلام

إن الله تعالى يحب مكارم الأخلاق، ولذلك فهو سبحانه يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فالحياءُ وَالسَّتْرُ خُلُقُ من أخلاق الإسلامِ، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أمَّتَه الأخلاق الكريمة والفاضلة، ويحذرهم من عاداتِ وأخلاق الجاهليَّةِ المنكرة، والَّتي فيها تبَذُّلٌ وعدمُ تحرُّجٍ، وأنَّه ينبغي البُعدُ عن النَّاسِ والتَّستُّر حال الاغتسال، والتَّحرُّز عندَ كَشفِ العورات..

ولأن الله تعالى ستير، ويُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فمن عظيم رحمته وفضله، أنه سبحانه وتعالى يستر عباده المؤمنين، فلا يفضحهم بما ارتكبوا من معاص وسيئات، وستره سبحانه على عباده لا يقتصر على الدنيا، بل يشمل الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان:20)، قال ابن عباس: (النعمة الظاهرة الإسلام والقرآن، والباطنة: ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة). وفي الصحيحين: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ)

أيها المسلمون

والحياء يكون من ثلاثة أوجه: أولها: حياء الانسان من الله تعالى. والثاني: حياؤه من الناس .والثالث: حياؤه من نفسه. فأما حياؤه من الله تعالى : فيكون بامتثال أوامره، والكف عن زواجره، وفي سنن الترمذي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ «لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ».. وأما حياؤه من الناس: فيكون بكف الأذى، وترك المجاهرة بالقبيح. وأما حياؤه من نفسه: فيكون بالعفة وصيانة الخلوات؛ وفي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ»؛ أي: أنه سبب لجلب الخير إليه. وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ».

وأما عن الستر: فقد قال الله تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26]. فأمر الله -تعالى- بني آدم بتغطية العورات، وستر الأجسام؛ لأنه يحب الستر، ويبغض التعري، وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لاَ يُفَارِقُكُمْ إِلاَّ عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ». فدين الإسلام مبني على الستر، وعلى عدم إشاعة الفاحشة بين الناس، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور (19)، وأخبر الرسول ﷺ بأن المُجاهر بالمعاصي لا يُعافى منها، فقال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» (متفق عليه). فعليك أيها المؤمن أن تتخلق بخلق الستر، فتستر نفسك أولًا؛ وتستر أخاك ثانيًا؛ فقد أُمِرْنَا أن نستر على المؤمنين.

أيها المسلمون

والسؤال: كيف تفوز بستر الله تعالى عليك؟، وما حظ المؤمن من اسمه تعالى: (الستير)؟ والجواب: فإن أسباب الفوز بستر الله عز وجل كثيرة، ومنها: الإخلاص واجتناب الرياء: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» (متفق عليه).

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: الاستغفار والإكثار من العبادات: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أَوْ قَالَ حَدَّكَ» (متفق عليه)، فالأصل أن تستر على نفسك إذا وقعت في ذنبٍ ما، وعليك أن تُكْثِر من الصلاة ومن العبادات والاستغفار وتُجدد توبتك، وعدم المجاهرة والتحدث بالمعصية، فلا تخبر بها أحداً، قال ابن بَطّال: (فِي الجَهر بِالمَعصِيَةِ استِخفاف بِحَقِّ الله ورَسُوله وبِصالِحِي المؤمنين، وفِيهِ ضَرب مِنَ العِناد لهم، وفِي السِّتر بِها السَّلامَة مِنَ الاستِخفاف، لأَنَّ المَعاصِي تُذِلّ أَهلها)،

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: ستر المسلم على أخيه المسلم، فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، إِلاَّ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم. وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عبد الله رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ الله عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه مسلم.

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: الصدقة، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ». ومنها: تربية البنات والإحسان إليهن، ففي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :«مَنِ ابْتُلِىَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ»، ومنها: ستر الميت عند تغسيله، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من غسل ميتًا فستره ستره الله من الذنوب، ومن كفنه كساه الله من السندس) رواه الطبراني وحسنه الألباني.

ومن أسباب نيل ستر الله: دعاء الله، وسؤاله تعالى الستر: ففي صحيح أبي داود: (أن ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي »

أيها المسلمون

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: عدم تتبع عورات المسلمين: ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» قَالَ وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ). وفي سنن ابن ماجه وصححه الألباني: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ».

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: كظم الغيظ والغضب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ومن كف غضبه ستر الله عورته» (رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني)،  

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: تأدية حق الله في المال: فإذا أديت حق الله في مالك، سترك الله، أما إذا لم تؤد حق الله في مالك، نالتك العقوبة، ففي صحيح مسلم: (في حديث طويل): (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْخَيْلُ قَالَ «الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلاَ رِقَابِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ وَلاَ تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ وَلاَ مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلاَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ».

                              أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم      

                          الخطبة الثانية (اللَّهُ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ)

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: عدم التسميع بالفواحش: قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور (19)، فلا يجوز إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، وعن شبيل بن عوف قال: “كان يقال: مَنْ سمَّع بفاحشة فأفشاها فهو فيها كالذي أبداها” (صحيح الأدب المفرد)، فالذي ينشر أخبار المعاصي ويُفشيها، سينال وزر كل من يقع فيها بسببه، حتى وإن لم يقع هو في تلك المعصية.

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: حجاب المرأة: ففي سنن أبي داود وصححه الألباني: (عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ – رضي الله عنها – فَقَالَتْ مِمَّنْ أَنْتُنَّ قُلْنَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. قَالَتْ لَعَلَّكُنَّ مِنَ الْكُورَةِ الَّتِي تَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ قُلْنَ نَعَمْ. قَالَتْ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلاَّ هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى». فالمرأة التي تخلع ثيابها في غير بيت أهلها، تهتك الستر الذي أسدله الله تعالى عليها.

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: اجتناب الذنوب والمعاصي: فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» (متفق عليه)، فإذا ظلم العبد نفسه باقتراف الذنوب والمعاصي، وتعدى الحدود، فإن الله تعالى يؤاخذه بذنبه، ويرفع عنه ستره،  

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: غض البصر: فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ» (صحيح مسلم).

ومن أسباب الفوز بستر الله تعالى: عدم إفشاء أسرار الزوجين: ففي سنن أبي داود وصححه الألباني: (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى الرِّجَالِ فَقَالَ «هَلْ مِنْكُمُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ». قَالُوا نَعَمْ. قَالَ « ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا». قَالَ فَسَكَتُوا قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ «هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ». فَسَكَتْنَ فَجَثَتْ فَتَاةٌ – قَالَ مُؤَمَّلٌ فِي حَدِيثِهِ فَتَاةٌ كَعَابٌ – عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلاَمَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهْ فَقَالَ «هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ». فَقَالَ «إِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ)

                                             الدعاء