خطبة عن حديث (لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يُعْذِرُوا)
أبريل 22, 2024خطبة عن (مَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ)
أبريل 22, 2024الخطبة الأولى (لولا الستر لافتضح الأمر) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح النسائي: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ)
إخوة الإسلام
نعم الله تعالى على عباده كثيرة، فهي لا تعد ولا تحصى، فكلّ ما يحيط بالإنسان هو نعمةٌ من الله، ولا بدّ للإنسان أن يقابل هذه النعم بالحمد والشكر، ومن هذه النعم: (نعمة الستر): فالله تعالى يستر عيوب عباده عن أعين الناس، ولا يظهرها رحمة بهم، فلولا الستر لافتضح الأمر، فكم من العيوب سترها الله علينا. وكم من السيئات أخفاها ولم يكشفها للخلائق، ولم يفضحنا بها أمام الآخرين. فهو سبحانه ستار العيوب، فعندما نقترف الخطايا، فالله يرانا، وهو مطلّع علينا، فهو سبحانه يسمع ويرى، وهو قادر علي أن يفضحنا، ولكنّ الله تعالي ستير، يتفضّل علينا بستره، ويحيطنا بعافيته، فيستر علينا قبيح أفعالنا،
فنعمة الستر بِدُونها لا نَهْنَأُ بعيش, ولا يطيب لنا مُقامٌ بين الناس, قال رجلٌ لأحد الصالحين: كيف أصبحتَ؟ قال: “أصبحت بين نعمتين, لا أدري أيَّتهُمَا أفضل: ذنوبٌ سترها الله, فلا يستطيع أحد أن يعيرني بها؛ ومودةٌ ومحبة قذفها الله في قلوب العباد, لم يبلغها عملي.
فالحمد لله الذي كساك ثوب السِّتر, وحجب عيون الناس عن رؤيةِ معاصيْك, فلو أنك في كلِّ مرةٍ أذنبت بانت عليك علامة، أو فاحت منك رائحة، فكيف سيكون حالك؟. لصار عيشُك لا يطاق, ورائحة ذنوبك عمت الآفاق، ولعشت مفضوحاً بين الناس, ولكنَّ الرحيمَ السِّتِّيْرَ, سترها عليك, فلولا الستر لافتضح الأمر، فلو أن الله تعالى أظهر عيوبنا، لما نظر إلينا أحد، ولما استمع إلينا أحد. فالحمد لله الذي جمَّل ظاهرنا, وستر قبيح أفعالنا, فالعبد إذا بكى من ذنوبه، واعترف بعيوبه، وقال : يا إلهى أنا أسأت وأخطأت وأذنبت، يقول الله له: وأنا سترت فإذا قال العبد: يا إلهى وأنا رجعت، قال الله تعالى :”وأنا قبلت”. أقبل التائبين، وأعفو عن المخطئين، وأرحم النادمين، وأستر على المذنبين، وأنا أرحم الراحمين. من ذا الذي أتى إلى بابنا فرددناه؟ ومن الذي لجأ إلى جنابنا فطردناه؟، فأنا غفار الذنوب. وستار العيوب.
فمن صفات الله تعالى: (الستير)، ففي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ) و”الستير“: هو الذي يحبُّ السّتر والصّون لعباده ولا يفضحهم، كما أنه يحب مِنْ عباده الستر على أنفسهم، وقد ذكر ابن قدامة في كتابه التوابين: (أن بني إسرائيل لحقهم قحط على عهد موسى عليه السلام، فاجتمع الناس إليه، فقالوا: يا كليم الله: ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم موسى، وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفًا أو يزيدون فقال موسى: إلهي اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرضع، والبهائم الرتع، والمشايخ الركع؛ فما زادت السماء إلا تقشعًا، والشمس إلا حرارة! فقال موسى: إلهي اسقنا!، فقال الله: كيف أسقيكم؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة؟ فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم؛ فبه مُنعتكم المطر، وابتليتكم بالقحط والجفاف فصاح موسى في قومه: يأيها العبد العاصي، الذي يبارز الله منذ أربعين سنة: اخرج من بين أظهرنا؛ فبك مُنعنا المطر. فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال، فلم ير أحدًا خرج، فعلم أنه المطلوب، فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتُضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدت معهم مُنعوا لأجلي. فانكسرت نفسه، ودمعت عينه، فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فعاله، وقال: إلهي وسيدي: عصيتك أربعين سنة، وأمهلتني. وقد أتيتك طائعًا فاقبلني، وأخذ يبتهل إلى الخالق تبارك وتعالى، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرب- فعجب موسى وقال: إلهي: سقيتنا، وما خرج من بين أظهرنا أحد، فقال الله تعالى: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم، فقال موسى :إلهي أرني هذا العبد الطائع! فقال تعالى: يا موسى، إني لم أفضحه وهو يعصيني، أفأفضحه وهو يُطيعني)،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لولا الستر لانفضح الأمر)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والله تعالى كما ستر عبده المؤمن في الدنيا، فهو يستره يوم القيامة، ففي الصحيحين: أن الله: (يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ الله له: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ” وإذا كان الله تعالى يُحب أنْ يستر على عباده, فهو يُحبُّ مَن يستُرُ على نفسه, ويَكْره مَن يفضحها، ويُظهر عَيْبَها، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم “كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ, وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا, ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ, فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا, وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ, وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سترَ اللهِ عَنْهُ” متفق عليه.
ولما كان الله تعالى يحب الستر، فقد أمرنا به، ورغبنا فيه على لسان رسوله، فهو سبحانه يُحِبُ أنْ نستر على عباده, قال صلى الله عليه وسلم: “يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ, وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ, لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ, وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ, فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ, يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ في بَيْتِهِ” رواه أحمد. وفي سنن ابن ماجه: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». والستر لا يكون محمودا على المجرمين، وعلى العبد المسلم ألا يغتر بستر الله تعالى عليه، فيتمادى في العصيان فالله تعالى يمهل ولا يهمل، فمن يتمادى في المعاصي، يفضحه الله في الدنيا والآخرة،
الدعاء