خطبة عن ( هجر القرآن الكريم )
مايو 10, 2016خطبة عن ( ميلاد الرسول وطفولته )
مايو 14, 2016الخطبة الأولى ( فضل القرآن الكريم )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) (9) الاسراء ،وقال الله تعالى : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (30) الفرقان ، وفي صحيح مسلم : ( قال صلى الله عليه وسلم : ( وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ ) ، وفي سنن الدارمي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَصْفَرَ مِنْ خَيْرٍ مِنْ بَيْتٍ لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّ الْقَلْبَ الَّذِى لَيْسَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ خَرِبٌ كَخَرَابِ الْبَيْتِ الَّذِى لاَ سَاكِنَ لَهُ )،
إخوة الإسلام
إن فضل القرآن الكريم وشرفه ، ورفيع قدره وعلو مكانته ، أمرٌ لا يخفى على المسلمين ، فهو كتاب الله رب العالمين ، وكلام خالق الخلق أجمعين ، فيه نبأُ ما قبلنا ، وخبر ما بعدنا ، وحُكم ما بيننا ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسن ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم ، وقدرُ القرآن وفضله هو بقدر الموصوف به وفضله ، فالقرآن كلام الله وصفته ، وكما أنه تبارك وتعالى لا سميَّ له ولا شبيه في أسمائه وصفاته فلا سميَّ له ولا شبيه له في كلامه ، يقول الله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) [الزمر:23]. ويقول الإمام علي رضي الله عنه في وصف القرآن: (اعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى ونقصان من عمى، واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد بعد القرآن من غنى، فاستشفوا به من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإن فيه الشفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال، واعلموا أنه شافع ومشفع، وقائل ومصدق، وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، فإنه ينادي منادي يوم القيامة: ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبه عمله، غير حرث القرآن فكونوا من حرثه وأتباعه، واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم) .
إخوة الإسلام
أين نحن من القرآن الكريم ؟ ،كم يوقظ القرآن ضمائرنا ولا تستيقظ ؟، وكم يحذرنا ونظل نلهو ونلعب ؟، وكم يبشرنا وكأن المبشَر غيرنا ؟، وكم تعيينا الأمراض والعلل، ولو إستشفينا بالقرآن لشفانا الله به حساً ومعنى، وصدق الله إذ يقول سبحانه: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) (82) ) [الإسراء:82]. فالقرآن يذهب ما في القلوب من أمراض الشك والنفاق، والشرك والزيغ، وبه يحصل الإيمان والحكمة، وليس هذا إلا لمن آمن بالقرآن وصدقه واتبعه، وهذا شفاء القرآن المعنوي. أما شفاء القرآن الحسي فتؤكده رواية البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا ، حَتَّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ .فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ ، فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ، لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَاقٍ ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا ، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً . فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ ،فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ ، فَانْطَلَقَ يَمْشِى مَا بِهِ قَلَبَةٌ . قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِى صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ اقْسِمُوا . فَقَالَ الَّذِى رَقَى لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِى كَانَ ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا . فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ « وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ » .
أيها المؤمنون
ويشهد القرآن بتعظيم من في السموات ومن في الأرض لله، بإنسه، وجنه، وملائكته، وشموسه، وجباله، وشجره، ودوابه، ويخرون كلهم لله سجدا: قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) ) [الحج:18].وهذه الجن تستجيب لنداء القرآن، ويؤمنون بالإسلام، قال تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) ) [الجن:1-2]. وملائكة السماء تدنو لتسمع صوت القارئ للقرآن كما في صحيح البخاري في قصة أسيد بن حضير، يقول : (( فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا . قَالَ صلى الله عليه وسلم « وَتَدْرِى مَا ذَاكَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ » . وعن ابن مسعود رضي الله عنه: ( نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة ) الطبراني ، وعن جابر رضي الله عنه، لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق)) المستدرك .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فضل القرآن )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
القرآن الكريم هو حبل الله المتين، طرفه في أيديكم والطرف الآخر في السماء، ما أُنزل إلا لكم، فما لنا عنه غافلون، ولغيره متوجِّهون؟ وكأن المقصود به غيرنا، وكأن المخاطَب به سِوانا، وكأننا لم نؤمن بهدايته، ولم نعلم بغايته، ونحن نعرف أنه ما ضَلَّ مَن تَمسَّك به؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران: 103]، هذه النعمة، إن لم نَرْعها ونُعْطها حقَّها، ألَمَّ بنا الخطرُ وداهمتْنا جيوشه، وأحاطت بنا خطيئاتنا، أتدرون ما هذه النعمة؟ هي القرآن الكريم، هي الكتاب المنزَّل، هي الشفاء لكل داء، هي الرحمة، هي الربح؛ قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، القرآن هو الهدى، هو المنة من الله على خَلْقه – فلله الحمد والمنة – هو تزكية النفوس، هو الحكمة؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، فيا لها من نعمة ما أجلَّها! فيها جلاء صدأ القلوب وغمامة البصيرة، وفيها حِفْظ العقول، وحِفْظ الأعراض، وحفظ الأموال، وحفظ الأبدان، فحينما نتقبَّلها ونعمل بما احتوى عليه هذا القرآن، حفِظتْ لنا هذه الأمور التي لا بد للخلق منها، ولا يمكن لمجتمع أن يعيش بدون سلامتها، وحينما يَهجُر القرآنَ أيُّ مسلم أو أي مجتمع، فالهلاك مآله، والدمار مصيره، ومرض القلوب مُلازِمُه، وعُقَد النفوس تتوارَدُه، والأهواء تتجاذَبُه، وشياطينه تتنازَعُه.
الدعاء