خطبة عن (سَلامة الصَّدْرِ) مختصرة
أغسطس 15, 2022خطبة عن (اللَّه يَرَى) مختصرة
أغسطس 15, 2022الخطبة الأولى (تُبْلَى السَّرَائِرُ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) (9) :(10) الطارق إخوة الإسلام
قوله تعالى: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) الطارق (9)، فالسرائر: جمع سريرة: والسريرة هي ما يكنه الانسان وما يضمره وما يخفيه في نفسه وصدره، فهذه الآية تبين لنا أن هذه السرائر المخفية في الصدور ستظهر يوم القيامة،كما قال تعالى: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (10)،(11) العاديات . فيوم القيامة يظهر ما في القلوب من الإخلاص ،والمحبة ،والصدق، وما فيها من النفاق ،والكذب ،والرياء، ففي صحيح مسلم: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ». وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ.) ، وفي رواية له: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» وأما في هذه الحياة الدنيا: فالظاهر هو ما نحكم عليه، فنحن نحكم على الناس في الدنيا بالظاهر، ولهذا جاء في سنن البيهقي: (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :«إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ بِحُجَّةٍ أُرَاهَا فَاقْتَطَعَ بِهَا مِنْ مَالِ أَخِيهِ ظُلْمًا أَتَى بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي الصحيحين: لما (جَاءَهُ (صلى الله عليه وسلم) الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلاَنِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ،وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ) ، وفي الصحيحين: (قَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ. قَالَ « وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ». قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ «لاَ ،لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّى» . فَقَالَ خَالِدٌ (وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ). قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ »، ففي الدنيا نحكم على الظاهر ، والباطن يعلمه الله وسيحاسبنا عليه ،أما يوم القيامة فسيظهر كل ما كان مختفيا في الدنيا عن أعين الناس، فهذه السرائر ستظهر، فأسروا خيرا أو أعلنوه ،وذكر الماوردي عن زيد بن أسلم: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :”الأمانة ثلاث: الصلاة والصوم ،والجنابة. استأمن الله عز وجل – ابن آدم على الصلاة فإن شاء قال صليت ولم يصل . استأمن الله عز وجل – ابن آدم على الصوم، فإن شاء قال صمت ولم يصم. استأمن الله عز وجل – ابن آدم على الجنابة فإن شاء قال اغتسلت ولم يغتسل، اقرءوا إن شئتم (يوم تبلى السرائر)
أيها المسلمون
فأصحاب الخلوات حسِبوا أن هذه الذنوب تَخفى على الله سبحانه وتعالى، وأن الله لا يُحاسبهم عليها، وهو سوء ظن بالعليم الخبير، الذي يجازي على النَّقير والقِطْمير، فعلى العبد أن يكون على علمٍ بحال سريرته، فيُصلِحها إن كان بها فساد، وليحذرْ من ذنوب الخلوات؛ فهي سبب الانتكاسات، وليعلمِ العبد أن الله سيَبتلي العبادَ حتى يتبينَ حال نيَّاتهم؛ قال الله تعالى تحذيرًا من النفاق: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴾ [محمد: 29]؛ أي: أيعتقد المنافقون ومَرْضى القلوب أن الله لا يكشف أمرَهم لعبادِه المؤمنين، فالكثير من الناس يجاهرون اللهَ بالمعاصي وهو مُطَّلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم. يستخفي الواحد منهم بعيدًا عن أنظار الناس ثم يحارب ربَّه بالمعاصي، وهو سبحانه مُطَّلع على سريرته، ولا تخفى عليه خافيةٌ وسيُحاسب عن كل ما أسرَّه العبد وأخفاه ، وما أظهره وأبطنه ،فالسريرة إذا صلحت صلح شأن العبد كله ،وعندما تفسد السريرة فإنه يفسد بفسادها أقوال العبد وأعماله ففي الصحيحين: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تُبْلَى السَّرَائِرُ)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا عِظَمُ شأن القلب ،وخطورة السريرة؛ حيث إنها محط نظر الله عز وجل وعليها مدار القبول عنده سبحانه. وحسب صلاحها وفسادها يكون حسن الخاتمة وسوؤها، وكلما صلحت السريرة تمت الأعمال الصالحة وزكت ولو كانت قليلة، والعكس من ذلك في قِلة بركة الأعمال حينما تفسد السريرة ويصيبها من الآفات ما يصيبها، وهذا هو الذي يفسر لنا تفوُّق أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على غيرهم ممن جاء بعدهم ،فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «أنتم أطول صلاة وأكثر اجتهاداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا أفضل منكم ،قيل له: بأي شيء..؟ قال: إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة منكم». وعن ابن عيينة رحمه الله تعالى قال: «إذا وافقَت السريرة العلانية فذلك العدل، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل، وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور». فصلاح القلب والسريرة عليه مناط النجاة، فالقلب محل نظر الرب ،وبه السفر الى رب العالمين؛ فلا يُخدعن بظاهر لا يدوم وإن خدع الخلق؛ فأنت بنفسك أعلم وعلى نفسك بصيرة. وفي سنن البيهقي : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ ». قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ :« يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّى فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ ». وقال الله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) الملك (13)
الدعاء