خطبة عن (الأنس بالله )
فبراير 2, 2023خطبة حول حديث ( اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا)
فبراير 4, 2023الخطبة الأولى ( انظروا من الذي هز الوعاء؟ )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات .
إخوة الإسلام
في ضرب الأمثال تقريب للمعنى، وفي قصص السابقين، وتجارب الباحثين، وكلام الحكماء، ومواعظ الفقهاء، دروس وعبر، ومما جاء في تجارب المتأملين: (أننا إذا جمعنا مئة نملة سوداء، ومئة من النمل الأحمر الناري، ووضعناها في وعاء زجاجي، فلن يحدث شيء، ولكن، إذا أخذت الوعاء وهززته بعنف، ووضعته على طاولة مثلا، سيبدأ النمل بقتل بعضه بعضاً، فيعتقد النمل الناري أن النمل الأسود هو من هزّ الوعاء، بينما يعتقد النمل الأسود أن النمل الناري هو العدو، مع أن العدو الحقيقي هو من (هزّ الوعاء). نعم.. فالعدو الحقيق هو ذلك الطرف الثالث، والمتخفي بعيدا عن الأنظار، فكثيرا ما تنشأ العداوات بين الأفراد والشعوب، وتتباعد المسافات بين الإخوان والأشقاء، وتشتعل معارك وهمية، سلاحها السباب والتجريح، كل ذلك: بسبب معلومة خاطئة، صيغت هنا أو هناك، من مصدر مجهول الهوية، خبيث المقصد ،ساقط الأخلاق، أو بسبب التحريش الممنهج من أعداء الاسلام، لذا، كان من أهم الدروس المستفادة من هذه التجربة ( تجربة النمل أيا كان مصدرها): أننا لا نتسرع بالحكم قبل التثبت من الأمر، فيجب علينا أن نبحث عن صحة الخبر، وعن الفاعل الحقيقي، فلا نتخاصم، ولا نختلف فيما بيننا قبل أن نسأل أنفسنا: من الذي تسبب في المشكلة؟ من الذي نقل الخبر؟، أو (من الذي هز وعاء الألفة والمحبة والوحدة بيننا)، فهناك الكثير من الأصدقاء والأقارب تهاجروا، وتخاصموا وتقاطعوا، وأصبحوا أعداء، بسبب أناس نقلوا إليهم كلمة ملفقة، أو خبرا كاذبا، أو عبارة مدسوسة، ولم يتبينوا، ولم يتثبتوا من صحته،
وكم قطعت أرحام بسبب الغيبة، وكم تفرق أحباب بسبب الكذب والنميمة، ونقل الأخبار المدسوسة، وتلفيق الأكاذيب المضللة، وكم دارت حروب بين المسلمين بسبب تحريش أعداء الدين، وكان من الواجب علينا أن نعمل بما جاء في كتاب الله العزيز، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات، وفي سنن أبي داود بسند صحيح 🙁عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الأَعْمَشُ – وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ». وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ».
أيها المسلمون
وقد يهتز وعاء لحمة المسلمين بسبب التحريش بينهم من أعدائهم، في صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». فالشيطان لما عجز أن يطيعوه في الشرك، سعى في إلقاء العداوة بينهم، سعى في التحريش بين المسلمين: بالخصومات، والشحناء، والفتن، وإيغار صدور بعضهم على بعض، والتحريش قد يكون بين الزوجين، وبين الأخوين، وبين الأسرتين، وبين الجيران، وبين القبيلتين، وبين الرئيس والمرؤوسين، وبين الزملاء، والشركاء. والفقهاء والأئمة والعلماء يحذرون من هذا غاية التحذير، فالشيطان حريص على التحريش بين المؤمنين، بل وبين العلماء منهم، ويسعى في ذلك سعياً عظيماً، فكم من مجالس قد هُجرت، وكتب قد حرّقت، بسبب (يقولون ويقولون)، وليس في الأمر خبر صحيح ثابت، فالشيطان وأعوانه قد نصب أحابيله، ودبّر مكائده، والله يحذرنا من ذلك، قال الله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46]، وقال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم:31، 32]. وفي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ – قَالَ – فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ». قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ « فَيَلْتَزِمُهُ ».
والتحريش قد يقع بين الإخوان، فهؤلاء إخوة يوسف، وقع التحريش بينهم، قال يوسف لإخوته: (وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) ( يوسف100)، فالتحريش حملهم على ظلمه، فتسببوا في بيعه عبداً، وتعريضه للفتنة أمام امرأة العزيز، ودخوله السجن، وكذلك حزن أبيه عليه حتى أضرت بعينيه فرقة الابن ففقد البصر، كل ذلك بسبب التحريش، فهو من أبواب الإثم العظيم الذي فيه هجران، واعتداء، ومشاجرات، وسوء ظن، وتجسس، ويخذل المسلم أخاه المسلم، ويحقره بسبب التحريش،
وقد قيل أنه دخل رجل على سليمان بن عبد الملك والإمام الزهري جالس في المجلس قال سليمان: بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا، فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت، فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، أنا أثق بالمخبر، فقال الزهري رحمه الله: لا يكون النمام صادقاً. فالذي نقل إليك عنه نمام، والنمام لا يكون صادقاً، فقال سليمان: صدقت، ثم قال للرجل: اذهب بسلام. وعاتب معاوية الأحنف في شيء فأنكره، فقال: أخبرني الثقة أنك قلت عني كذا وكذا، فقال: إن الثقة لا يبلغ. فلو كان ثقة ما بلغك عني هذا الكلام. وكتب بعض الخلفاء على رقعة أرسلها إليه نمام قال: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. وهكذا يفعل النبهاء إذا جاءتهم الوشايات، فالواشي ليس بثقة، الواشي ليس بصادق، ولا بد من التحقق، ولا تطع كل مشاء بنميم،
فالتحريش بين الناس ما دخل في مجتمع إلا فرَّقه، ولا أسرة إلا مزَّقها، ولا صحبة إلا قلبَها عداوةً وبغضاء، والتحريش يوغر الصدور، ويذكي نيران التصارع والتدابر، فهو يضر ولا ينفع، ويفتق ولا يرقع، وينكأ ولا يضمد، ويُفسد ولا يُصلح، ويحزن ولا يفرح، ويُبكي ولا يُضحك. والتحريش كلمة لا تحمل إلا معنى الشر؛ فهي لا خير فيها؛ إذ لم يُحمد التحريشُ لا في شرع، ولا عقل، ولا فطرة؛ فهو شرٌّ كله، وداء كله، وسوء مغبة كله، هو الشر من أي الدروب سلكته، فأوله التشويش، والهجر آخره، والتحريش مهنة شيطانية، ما تلبَّس بها أحدٌ إلا أفسد أيما إفساد، وفرَّق أيما تفريق، وكان في الناس نفرة منه، تقودهم إلى أن يسلكوا طريقا غير طريقه، يتقون كلَّ مجلس يكون هو أحد حضوره، وإن بُلُوا به في مجلس رغمًا عنهم، فإنهم لا يترددون في اتقاء محادثته، فإن هذا وأمثاله يَعُوذ منهم عقلاءُ الناس ولا شك، وكيف لا وهم يرون كثرة ضحاياه من الأزواج والأصحاب والجيران والشركاء والأقران؟
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( انظروا من الذي هز الوعاء؟ )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن المعلوم أن اشعال نار الفتنة والحرب والعداوة بين الناس هو من طباع اليهود، قال الله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (64) المائدة، فهم ينفثون سموم حقدهم الأسود الغليل على المسلمين ويوقدون نيران الحرب كل حين فيطفئها الله عزو جل وهو سبحانه على كل شيء قدير.
ألا فحافظوا على وحدتكم، حافظوا على أحبابكم وإخوانكم، ولا تسمحوا للمارقين بأن يهُزُّوا وعاء الألفة والمحبة والتآلف بينكم. ألا تحبون أن يغفر الله لكم، فتبينوا، وتثبتوا، وابحثوا عن الطرف الثالث، والعدو المستفيد، وصاحب المصلحة مما حدث من خلافات أو مشكلات أو حروب، ابحثوا عمَن حفز الخلاف، ومَن شحن السلبية، ومَن حث كل طرف على الظنون السيئة، فهناك من لا يريد لكم السعادة والنجاح، أو الاستقرار والهناء، وهنا لابد من البحث عن العلاج الشافي، والتأني الكافي، في اتخاذ القرار المناسب، وتقديم المحبة والعلاقات الطيبة على نزعات النفس والشيطان، فكم من شخص خسر الكثير بسبب الاستعجال في الحل.
الدعاء