خطبة عن تزكية النفس ،وقوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ )
يناير 31, 2016خطبة عن ( نماذج من المراقبين لله)
فبراير 1, 2016الخطبة الأولى ( مراقبة الله )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس،
إخوة الإسلام
كان لبعض الأمراء وزير ، وكان هذا الوزير جالساً بين يديه وعند هذا الأمير بعض الغلمان وقوف بجانبه في ناحية من المجلس ، فلاحت من هذا الوزير نظرة إلى هؤلاء الغلمان لشيء عرض، ثم التفت إلى الأمير وإذا الأمير ينظر إليه، فخشي أن يظن الأمير أن الوزير ينظر إلى هؤلاء الغلمان الحسان لريبة، فما الذي حصل من هذا الوزير أيها الأحبة، جعل كلما حضر إلى مجلس هذا الأمير ينظر إلى تلك الناحية، ليوهم هذا الأمير، أنه إنما ينظر إليها لحول أو علة في خلقته، هذه في مراقبة مخلوق لمخلوق، أراد أن يمحو الصورة التي لربما وقعت في نظر أو في نفس هذا الأمير اتجاه هذا الوزير ليقول له لم أكن في ذلك اليوم أو في ذلك العام أنظر إليهم لريبة وإنما أنا هكذا أنظر إلى هذه الناحية خلقة، هذا نظر مخلوق إلى مخلوق، فأين النظر إلى الله، أين مراقبة المعبود جل جلاله.
وقد كان لأحد الشيوخ تلامذة وكان يقدم ويفضل أحدهم وهم لا يدرون ما سبب ذلك، فتساءلوا عن سبب إيثاره وتفضيله لهذا التلميذ، فخرج معهم يوماً، ثم أعطى كل واحد منهم طائراً، وقال: ليعمد كل واحد منك بهذا الطائر إلى حيث لا يراه أحد، ثم يذبح هذا الطائر ويأتي، فذهبوا جميعاً وكل واحد ذهب إلى ناحية وذبح الطائر الذي معه وجاء، فجاء هذا التلميذ الذي كان يؤثره هذا الشيخ ومعه هذا الطائر لم يذبح، فقال له: “لِمَ لمْ تذبحه؟”، فقال: “قلت: حيث لا يراك أحد، فلم أجد مكاناً لا يراني الله عز وجل فيه”، فقال لهم: “لأجل هذا كنت أؤثره عليكم”.
وكان لبعض الملوك مملوك وعبد يؤثره على غيره من خدمه ومماليكه، فكأن نفوسهم قد تحركت نحوه، وتساءلوا عن سبب هذا التفضيل، فبينما هو في سفر ومعه هؤلاء المماليك والخدم إذ لاحت من هذا الملك نظرة إلى جبل في قمته ثلج، فركب ذلك المملوك على فرسه وركضه حتى انطلق دون أن يشعر به أحد إلى ذلك الجبل وأحضر من ذلك الثلج وجاء به إلى هذا الملك ووضعه بين يده، فسأهله هذا الملك: “كيف عرفت أني أرغب هذا الثلج؟”، فقال: “رأيتك نظرت إليه”، فهو يلاحظ نظرات هذا الملك، فقال الملك لجلسائه وخدمه ومماليكه: “من أجل هذا كنت أؤثره، إنكم تلاحظون مطلوبات نفوسكم وهو يلاحظ نظراتي وخطراتي”.
وكان هناك رجل اسمه نوح ابن مريم كان ذي نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له ابنة غاية في الجمال، ذات منصب وجمال. وفوق ذلك صاحبة دين وخلق.وكان معه عبد اسمه مبارك، لا يملك من الدنيا قليلا ولا كثيرا ولكنه يملك الدين والخلق، ومن ملكهما فقد ملك كل شيء. أرسلَه سيده إلى بساتين له، وقال له اذهب إلى تلك البساتين واحفظ ثمرها وكن على خدمتها إلى أن آتيك.مضى الرجل وبقي في البساتين لمدة شهرين. وجاءه سيده، جاء ليستجم في بساتينه، ليستريح في تلك البساتين. جلس تحت شجرة وقال يا مبارك، أتني بقطف من عنب.جاءه بقطف فإذا هو حامض. فقال أتني بقطف آخر إن هذا حامض. فأتاه بآخر فإذا هو حامض.قال أتني بآخر، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض.كاد أن يستولي عليه الغضب، وقال يا مبارك أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتني بقطف لم ينضج. ألا تعرف حلوه من حامضه ؟قال : والله ما أرسلتني لأكله وإنما أرسلتني لأحفظه وأقوم على خدمته.والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة. والذي لا إله إلا هو ما راقبتك ، ولا راقبت أحداً من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. أعجب به، وأعجب بورعه وقال الآن أستشيرك، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششه، والمستشار مؤتمن. وقد تقدم لابنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت ؟ فقال مبارك: لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب. واليهود يزوجون للمال. والنصارى للجمال. وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزوجون للدين والخلق. وعلى عهدنا هذا للمال والجاه.والمرء مع من أحب، ومن تشبه بقوم فهو منهم.أي نصيحة وأي مشورة ؟نظر وقدر وفكر وتملى فما وجد خيرا من مبارك، قال أنت حر لوجه الله (أعتقه أولا). ثم قال لقد قلبت النظر فرأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت. قال أعرض عليها. فذهب وعرض على البنت وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك. قالت أترضاه لي ؟ قال نعم. قالت : فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. فكان الزواج المبارك من مبارك. فما الثمرة وما النتيجة ؟ حملت هذه المرأة وولدت طفلا أسمياه عبد الله، لعل الكل يعرف هذا الرجل. إنه عبد الله ابن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيا بسيرته وذكره الطيب. إن ذلك ثمرة مراقبة الله عز وجل في كل شيء .
أقول قولي وأستغفر الله ل ولكم
الخطبة الثانية (خلق مراقبة الله) 5
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكذلك سيدنا أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه قصة زواج أبيه من أمه بسب أن أباه كان يراقب ربه في كل أوقاته حتى أنه كان يمر ذات يوم في طريق بجوار بستان فسقطت ثمرة من شجرة في هذا البستان فأخذها وهو جائع فأكلها ولكنه لم يكملها تذكر أنه لم يستأذن صاحب البستان فبحث في البستان عن صاحبه فإذا بالعامل الذى يعمل في البستان فأراد أن يستأذنه في الثمرة التي أكلها ، فقال إن البستان ليس لي إنما أنا أعمل فيه بالأجرة ولا أستطيع أن أأذن لك يشيء ولكن صاحب البستان على مسيرة أيام إن شئت اذهب إليه واستأذنه ، وفعلا ذهب والد الإمام أبو حنيفة إلى أن وصل إلى صاحب البستان وطلب منه أن يسامحه في الثمرة التي أكلها أو يأخذ ثمنها ، فلما عرف صاحب البستان أن هذا الرجل قطع كل هذه المسافة ليأخذ الإذن علم بتقواه وبمراقبته لربه فقال له لن أذن لك إلا أن تتزوج ابنتي ، فوافق الرجل وقال له أولا إن ابنتي عمياء صماء بكماء قعيدة فوافق على أن يسامحه في ما أكل ولما تزوجها ودخل بها قال في نفسه هل أسلم عليها ولكنها صماء لا تسمع سلامى ولو سمعت لما ردت على ولكنه قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردت عليه السلام ، إنها تسمع وتتكلم وعندما قامت تمشى نحوه علم أنها ليست قعيدة وأنها ترى فقال لها متعجبا إن أباك قال كذا وكذا ، قالت حقا ما قال أبى فإني عمياء لا أرى إلا ما أحل الله لي وبكماء لا أنطق إلا بالحلال وصماء لا أسمع إلا الخير وعمياء لا أرى ما حرم الله قعيدة عن الشر مسرعة إلى الخير وجاء من نسلهما سيدنا الإمام أبو حنيفة النعمان
أيها المسلمون
على المسلم أن يعود نفسه على مراقبة الله تبارك وتعالى لأنّ الله مطلع عليها وعالم بأسرارها رقيب عليها .وأن يتبع السيئة الحسنة تمحها ، قال تعالى : { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } هود 114. ، فالإنسان إذا أساء سيئة في سريره فليحسن حسنة في سريره، وإذا أساء سيئة في علانية فليحسن حسنة في علانية. والحسنات التي تمحو السيئات كثيرة، منها الوضوء، الصلاة، الصيام، الحج ، ذكر الله عز وجل …كلها مكفرات .
الدعاء