خطبة عن (البدعة: معناها وأقسامها وحكمها)
سبتمبر 21, 2016خطبة عن ( الإسلام هو الدين الحق )
أكتوبر 8, 2016الخطبة الأولى ( من أسباب النصر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) ،وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (47) الروم ،وقال تعالى: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (13) الصف
إخوة الإسلام
وضع الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم قواعد النصر الإلهي التي لا تتخلف عن أحد من المسلمين إذا أقامها وامتثل لها وأطاع الله ونفذ ما أمره به فيها ،فهي قواعد لنصر أيِّ طائفة من المؤمنين من الأولين أو الآخرين أو المعاصرين إذا طبقوها يتولى الله نصرهم لأنها قواعد إلهية مسجلة في خير كلام ربِّ البرية وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،وجعل الله قاعدة النصر – نصر الإنسان على أعدائه أو نصر الأُمة كلها والدولة على مناوئيها أو نصر أيِّ شعب أو أمة على غيرهم من البشر – جعلها في جملة واحدة وفي عبارة جامعة قال فيها الله : {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [7محمد] ،ويمكننا أيضا معرفة أسباب النصر من خلال الرسالة القيمة التي وجهها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى القائد والصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص والذي كان قائدًا للجيوش الإسلامية في العراق، فيقول عمر في هذه الرسالة والتي كتبت قبل خمسة عشر قرن: (أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب). فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يركز في رسالته أول ما يركز على تقوى الله رب العالمين، فإن أول عامل من عوامل النصر هو الاتصاف بتقوى الله في جميع الأحوال، فإن تقوى الله هي أفضل القوة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، فلا بد إذًا من تقوية العقيدة والإيمان في قلوب الجيل الصاعد في الأمة؛ لأن الإيمان هو الذي غيّر مجرى التاريخ في بدء الدعوة الإسلامية. و يقول عمر في رسالته أيضًا: (وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم). فمن عوامل النصر أيضا بعد تقوى الله : الابتعاد عن المعاصي؛ لأن المعاصي والآثام هي أشد خطرًا على المسلمين من أعدائهم؛ حيث تفتك هذه المعاصي في المجتمع من الداخل.
والأشد خطرًا وإثمًا هو المجاهرة بالمعاصي، وهذا ما نشاهده في وقتنا الحاضر، فأين نحن من رسالة عمر؟!
إنه كان حريصًا على أخلاق القادة والجند؛ لأنه لا نصر مع الانحراف الخلقي، لا نصر مع الذين يقضون سهراتهم في النوادي الليلية وفي الكازينوهات. إن المعاصي والآثام والموبقات والانحرافات من الأسباب المباشرة للهزائم المتلاحقة التي مُنَيت بها أمتنا. ويتابع عمر بن الخطاب في رسالته الفريدة قوله: (وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا عليهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة). وكما هو واضح من رسالة أمير المؤمنين عمر ،أن من أسباب نصر الله للمؤمنين هو بسبب معاصي الأعداء، ولولا ذلك لم تكن للمسلمين قوة على أعدائهم؛ لأن عدد المسلمين أقل من عدد الأعداء، وأن عدة المسلمين لم تكن كعدتهم، فإن استوى الطرفان في المعصية كانت الغلبة للأقوى وهم الأعداء.
أيها المسلمون
ومن المعلوم بداهة أن المسلمين عبر التاريخ لم يسبق لهم أن انتصروا على أعدائهم بسبب زيادة في العدد أو العدة، فما من معركة انتصر فيها المسلمون إلا وكان الأعداء أكثر منهم عددًا وعدةً، وإنما انتصروا عليهم بتقوى الله والتزام الشريعة الإسلامية والتحلّي بالأخلاق الحميدة والابتعاد عن المعاصي والمنكرات والانحرافات. والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) [آل عمران:123] أي: وأنتم ضعاف في معركة بدر، وكان عددكم قليلاً، ومع ذلك فقد انتصرتم على أعدائكم. وهذا يؤكد أن نصر المسلمين لم يكن يومًا من الأيام مرتبطًا بالقوة المادية فحسب.
ولا يعني هذا في الوقت نفسه إهمال القوة المادية، ولكن ليست هي العامل الأساس في النصر، والدليل على ذلك أيضًا ما حصل قبيل معركة اليرموك، فقد قال أحد الجند من المسلمين: ما أكثر الروم وما أقل العرب! فأجابه قائدهم: لا، بل قل: ما أكثر العرب وما أقل الروم. فالعبرة ليست بالعدد، بل بالكيف والنوع، وانتصر المسلمون على الروم رغم التفاوت في العدد. ودليل ثالث مما قاله الصحابي الجليل المغيرة بن زرارة الأسدي ليزدجرد ملك الفرس: (أيها الملك، لقد أصبح هذا الرسول فيما بيننا وبين رب العالمين، وأخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).
أيها المسلمون
إن انتشار المعاصي والموبقات والمخدرات في هذا الزمان لمؤشر على الهزيمة المستمرة، فلا بد من العودة إلى الله رب العالمين بالدعاء والتضرع له مع إعداد العدة؛ ليحقق الله وعده، وليجري النصر على أيدي المؤمنين، فالنصر من الله رب العالمين لمن يستحق النصر المبين، وإن أي شك في ذلك هو في حقيقته شك في الإيمان وهو عين الهزيمة.
والسؤال في المقابل: كيف يكون نصر الله للمؤمنين؟ والجواب: إن الله العلي القدير العزيز الجبار المنتقم لا يعوزه أي أسلوب من الأساليب، ولا أي شكل من أشكال النصر، فيقول عز وجل في سورة المدثر: ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31]. ويمثّل جند الله أحيانًا الملائكة كما حصل في معركة بدر لقوله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [الأنفال:9-10]. وقد يقول قائل: نحن الآن في عصر الصواريخ والأقمار الصناعية والبوارج البحرية، وإن هذه الأساليب الحديثة المتطورة هي التي تقرر النتائج وتحسم الموضوع، فما علاقة نصر الله وقدرته في هذا المجال؟! والجواب على هذا الطرح أقول: إن قدرة الله رب العالمين هي قدرة أزلية دائمة، وهي قائمة وماثلة في كل زمان ومكان، سواء أكان ذلك في عصر الجِمَال أم في عصر الصواريخ. وإن حرب رمضان ـ والمعروفة بحرب تشرين عام 1973م ـ لتؤكد ذلك، حين انطلق الجند المؤمنون وهم صائمون في مصر أرض الكنانة بهتاف: الله أكبر، وكانوا يشاهدون القتلى من الأعداء وهم يتساقطون أرضًا قبل أن يصلوا إليهم، وكاد هؤلاء الجند المؤمنون أن يقلبوا الموازين لولا الأوامر بالتوقّف. ثم إن هزيمة العراق الأخيرة جاءت نتيجة الخيانات أولاً، وثانيًا لأن المسؤولين في العراق وقتئذ لم يطلبوا النصر من الله عز وجل، ولم يكونوا متصلين بالله، ولم يتقوا الله أصلاً، فكيف سيأتيهم النصر والله سبحانه وتعالى يقول: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )[محمد:7]؟ وجاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ،وفي رواية لمسلم :« لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ ». وفي رواية للإمام أحمد :« لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلاَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ : « بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ »
أيها المسلمون
ولقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين بأن يمنع عنهم كيد أعدائهم ، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف وعده ، قال تعالى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (120) آل عمران ،وقال تعالى :(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (173) الصافات ،وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) (التوبة: من الآية111)، وقال تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم:6)، فالوعد في هذه الآية بالنصر والتمكين للمؤمنين متحقق لا محالة. ووعد آخر بالعلو على الكافرين وهزيمتهم ،قال الله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء: من الآية141)، ولكن لكل واحد من الواعدين شروطا يتوقف تحققه عليها. فالآية الأولى تبين أن النصر مشروط بنصرة العباد لله تعالى، ونصرة الله تعني الامتثال التام لما أمر الله به، والاجتناب التام لما نهى عنه، وهي دعوة جرت على ألسنة الرسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ،قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف:14)، فعيسى عليه السلام دعا قومه وأتباعه لنصرة الله تعالى. والآية الأخرى علقت النصر والتمكين بنصرة الله، كما أن الآية التي أخبر الله تعالى فيها بأنه لن يجعل للكافرين علوا ولا ظهورا على المؤمنين بينت أن ذلك الكبت للكافرين إنما يكون في مقابل أهل الإيمان والإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالمسلم حتى يكيد الله له ويقويه على أعدائه ويصرف عنه كيدهم لابد أن يوالي الله تعالى حق الولاء، ويقوم بما يجب عليه حق القيام، فمن فرط في نصرة الله تعالى لن ينال من الله عز وجل النصر والتأييد
ولذا قال المولى تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7). ولا سبيل للمسلم إلى ولاية الله، حتى يكيد له رب العزة كما كاد جل جلاله لأنبيائه ورسله بمن هو أهل للكيد، إلا إذا سار على درب الأنبياء وعمل بتعاليمهم فعندئذ لن يتخلف وعد الله تعالى الذي أثبته في كتابه: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) (الصافات:171-172).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أسباب النصر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإننا نتساءل اليوم متى نصر الله؟ أما آن لليل أن ينجلي؟ أما آن للفجر أن ينبلج؟ أما آن للقيد أن ينكسر، ولكننا نمدد أمد الليل بمسيرنا عكس جهة الشروق، وذلك بما ندخله في بيوتنا من مفاسد وشرور، ونوغل في البعد بما نطوق به أنفسنا من المعاصي والمخالفات، وندبر عن طريق الفجر والنور بإعراضنا عن منهج الله.ألا فليعلم من يقع في المخالفات أنه ثقل في موازين الأعداء، خصم على أمته، وليعلم من يعرض عن الطاعات أنه يحدث في جسد الأمة –وهو منها- جراحات غائرة تزيدها إثخانا وضعفاً، وليعلم من يتغافل عن نصح غيره ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يطيل على الأمة ما هي فيه من الكربات. فكل واحد منا مدعو لأن يزن حاله ليعرف هل هو خصم على الأمة، هل هو ثقل في ميزان أعدائها، هل هو سبب في إطالة ليلها بما اقترفت يداه، فما أشقى من شقيت به الأمة وما أسعد من سعدت به الأمة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.
أيها المسلمون
واعلموا أنكم إن قعدتم عن نصرة دينكم، وخذلتم سنة نبيكم، ولم تهتموا بأمر المسلمين فلن تضروا إلا أنفسكم، ولقد تخلفت قبلكم أمم وأفراد، فلم يضروا إلا أنفسهم، ولم يضروا الله شيئاً، تخلفت قوم نوح وعاد وثمود وقروناً بين ذلك كثيراً، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً، فالعز يزول والمجد يضيع بسبب خذلان الدين وأهله، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، ولا يجعل الله عبداَ أسرع إليه كعبد أبطأ عنه، بل لا يزال العبد يتأخر حتى يؤخره الله
فإن إتباع السنة النبوية نصرة لدين الله، أي نصرة. ولقد كان الأفاضل فيما مضى يعدون مخالفة السنة هلكة. اختلف ابن عباس مع البعض فقال لهم: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، فكيف إذا سمع ابن عباس من يقول: ليس لنا علاقة بعصور الظلام، ( يقصدون أيام النبوة والخلافة). أو من يقول: لم يعد الإسلام يصلح للتعامل مع الحضارة الحديثة. أومن يصادم السنة ويوقر الملاحدة أعظم من توقيره لهدى نبيه صلى الله عليه وسلم؟ ومن مواقف الصحابة في فهمهم لنصرة الله ورسوله ودينه :
أشار أبو لبابة بن عبد المنذر، يوم بنى قريظة، لهم إشارة مفهمة أنكم لو نزلتم على حكم سعد بن معاذ، فهو الذبح. يقول أبو لبابة : فما قلتها حتى علمت أنى خنت الله ورسوله ونزل قوله تعالى: “( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )” سورة الأنفال: 27 “. فماذا يكون الشأن والحال لو استبدل دينه بغيره ونادى بالحرية الإباحية والديمقراطية واللواطية ؟ ولما كان يوم بدر سمع ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينقلب أحد من المشركين إلا بفداء أو ضرب عنق، فقال ابن مسعود – رضي الله عنه – يا رسول الله إلا ابني بيضاء وكان قد علم منهما ميلاً للدخول في الإسلام. يقول ابن مسعود: فما قلتها حتى خشيت أن يتنزل على حجارة من السماء. وكانت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – لا تذكر خروجها يوم الجمل إلا وتبكى حتى تبل خمارها وتكثر عتق الرقاب لأجل ذلك….. والحكايات في هذا المعنى كثيرة، والسبب معلوم، والسنن لا تعرف المحاباة ولا المجاملات، قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ” سورة محمد: 38 ” وقال: ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُو) سورة المدثر: 31 وأخبرنا سبحانه أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله سيستبدل به من هو خير لها منه وأشد منه وأقوم سبيلاً كما قال تعالى: إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ” سورة النساء: 133 ” وقال: “( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيز ” ) سورة فاطر: 16 – 17 ” أي بممتنع ولا صعب. فإن المنصور من نصره الله؛ لأنه سعى في نصرة دين الله بالنفس والنفيس والغالي والرخيص، وكان شأنه في ذلك كشأن الأوس والخزرج الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يشركوا بالله شيئاً ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة، وإن غشوا من ذلك شيئاً فأمرهم إلى الله عز وجل، إن شاء غفر وإن شاء عذب
الدعاء