خطبة عن (هدايا الموظفين) وحديث :(هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ)
فبراير 26, 2017خطبة عن (الوعظ: هدفه وأهميته وفقهه وأثره)
فبراير 26, 2017الخطبة الأولى (خطبة ابليس:(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) إبراهيم (22)
إخوة الإسلام
روى الدارمي في سننه : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فَقَضَى بَيْنَهُمْ وَفَرَغَ مِنَ الْقَضَاءِ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ : قَدْ قَضَى بَيْنَنَا رَبُّنَا ، فَمَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا؟ فَيَقُولُونَ : انْطَلِقُوا إِلَى آدَمَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ بِيَدِهِ وَكَلَّمَهُ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ قَمْ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا. فَيَقُولُ آدَمُ : عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ .فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَدُلُّهُمْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَدُلُّهُمْ عَلَى مُوسَى ، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَدُلُّهُمْ عَلَى عِيسَى ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ : أَدُلُّكُمْ عَلَى النَّبِيِّ الأُمِّيِّ قَالَ : فَيَأْتُونِي فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُومَ إِلَيْهِ فَيَثُورُ مَجْلِسِي أَطْيَبَ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ حَتَّى آتِىَ رَبِّى فَيُشَفِّعَنِي وَيَجْعَلَ لِي نُوراً مِنْ شَعْرِ رَأْسِي إِلَى ظُفُرِ قَدَمِي ، فَيَقُولُ الْكَافِرُونَ عِنْدَ ذَلِكَ لإِبْلِيسَ : قَدْ وَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَهُمْ ، فَقُمْ أَنْتَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، فَإِنَّكَ أَنْتَ أَضْلَلْتَنَا قَالَ : فَيَقُومُ فَيَثُورُ مَجْلِسُهُ أَنْتَنَ رِيحٍ شَمَّهَا أَحَدٌ قَطُّ ، ثُمَّ يَعْظُمُ لِجَهَنَّمَ فَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) ». إِلَى آخِرِ الآيَةِ. إبراهيم (22) ،وقال ابن كثير في تفسيرها : يخبر الله تعالى عما خطب به إبليس لعنه الله اتباعه، بعدما قضى الله بين عباده ، فأدخل المؤمنين الجنات ،وأسكن الكافرين الدركات ، فقام فيهم ابليس لعنه الله حينئذ خطيبا ، ليزيدهم حزنا إلى حزنهم ، وغبنا إلى غبنهم ، وحسرة إلى حسرتهم ،فقال تعالى : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ) أي على ألسنة رسله ،ووعدكم في اتباعهم النجاة والسلامة ، وكان وعدا حقا ، وخبرا صدقا
وأما أنا (وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) ، كما قال الله تعالى (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ) النساء 120
ثم قال (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) أي ما كان لي عليكم فيما دعوتكم إليه من دليل ،ولا حجة بينة على صدق ما وعدتكم به ، (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) فبمجرد دعوتي لكم ، كانت منكم الاستجابة طواعية ، وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاءوكم به ، فخالفتموهم ،فصرتم إلى ما أنتم فيه (فَلَا تَلُومُونِي ) فلا تلوموني اليوم على اضلالكم وما صرتم إليه من عذاب (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) فإن الذنب لكم ،لكونكم خالفتم الحجج واتبعتموني بمجرد ما دعوتكم إلى الباطل وفي قوله (فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) زيادة في تأنيبهم وفى حسراتهم على انقيادهم له ،أي فلا تلوموني بسبب وعودي إياكم ولوموا أنفسكم، لأنكم تقبلتم هذه الوعود الكاذبة، بدون تفكر ، أو تأمل ، واعرضتم عن الحق الواضح ،الذى جاءكم من عند ربكم ، ومالك امركم ، ثم ينفض يده منهم ، ويخلى بينهم وبين مصيرهم السيء، فيقول (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) أي ما أنا بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه ، (وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ) أي بنافعي بإنقاذي مما أنا فيه من العذاب والنكال (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) قال قتادة :أي بسبب ما أشركتمون من قبل ،وقال ابن جرير :يقول : إني جحدت أن أكون شريكا لله عز وجل وقوله (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي في إعراضهم عن الحق ، واتباعهم الباطل لهم عذاب اليم ،والمقصود من حكاية ما يقوله الشيطان للكافرين في هذا اليوم ،هو تحذير المؤمنين من وسوسته واغوائه ، وحتى ينجوا من العذاب الذى سيحل بأتباعه يوم القيامة
أيها المسلمون
وإن المتأمِّل للكتابِ المبينِ ،والسنةِ النبويةِ المطهرة ، يلاحظ شدةَ اعتناءِ الكتابِ والسنةِ بذِكر عداوِة الشيطانِ وكيدِه ومحاربتِه ووجوبِ مجاهدتِه، فإن اللهَ تعالى قد ذكرَه في مواضعَ كثيرةٍ، وما ذلك إلا لِما لهذا العدوِّ القويِّ من صَوْلةٍ وجوْلةٍ، فإنه لعنه اللهُ مصدرُ كلِّ فتنةٍ وبلاءٍ ومنبعُ كلِّ شرٍّ وعناءٍ، وقد أخذَ على نفسِه الميثاقَ أن يضلَّ بني آدمَ، وأن يطرُقَ لذلك كلَّ بابٍ، وأن يسلكَ كلَّ سبيل قال الله تعالى حاكياً عنه: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ الاعراف 16 ، 17
وإن دعوةَ اللهِ تعالى لنا في أن نتخذَ الشيطان عدواً ليس المرادُ منها لعنَه باللسانِ وبغضَه بالقلبِ مع طاعتِه فيما يأمرُ، واتباعِ خطواتِه والاغترارِ بوعودِه والاسترسالِ مع وساوسِه وأكاذيبِه، بل المراد بهذه الدعوةِ بغضُه بالقلوبِ ولعنُه بلعنةِ الله ومخالفةُ أمرِه بالجوارحِ، والإعراضِ عن تزيينِه وتضليلِه وزخرفتِه، فإن هذا من أجلِّ القرباتِ وأفضلِ الطاعاتِ، قال ابن القيم رحمه الله: ” والأمر باتخاذِه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغِ الوسعِ في محاربته و مجاهدته كأنه عدوٌّ لا يفتر – ولا يَقْصُر عن محاربةِ العبد على عدد الأنفاسِ ” ، فإن كلَّ من أطاعَ الشيطانَ في معصيةِ الله تعالى فقد اتخذه وليًّا، قال الله تعالى في سورة مريم في قصةِ دعوةِ إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾ مريم 44، 45
أيها المسلمون
وإنَّ من أعظمِ الأسلحة التي تنجِّي العبدَ من غوائلِ الشيطان وشرِّه وعداوتِه: الإخلاصَ لله تعالى، فإن أهل الإخلاص محفوظون بحفظِ الله تعالى، قال تعالى مخاطباً إبليس لما أخذَ على نفسه الميثاقَ في إضلالِ بني آدم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ الاسراء 65 ، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ النحل 99، فمن تحقَّق بهذه الصفاتِ من الإيمانِ باللهِ تعالى، والتوكُّلِ عليه والإخلاصِ له، فقد أغلقَ على عدوِّه الأبوابَ وسدَّ عليه كلَّ بابِ. ولبيان أهمية الإخلاص لدفع الشيطان ، هذه القصة المروية : ( أن شجرةً كانت تُعبد من دون الله، فأراد رجلٌ أن يقطعها تغييراً للمنكر، فقام غضباً لله تعالى فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، قال: إذا أنت لم تعبدها فما ضرك من عبدها، قال: لأقطعنها، فقال له الشيطان: هل لك فيما هو خيرٌ من ذلك؟ لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك، قال: فمن أين لي ذلك؟ قال: أنا لك، فرجع فلم يقطعها فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، وهكذا قطع الشيطان الدينارين يوماً فغدا هذا الرجل ليقطع الشجرة ، فقال الشيطان: كذبت ما لك إلى ذلك سبيل، فلما أراد أن يقطعها ضرب به الأرض فخنقه، فقال: إنك جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سُلِّطْتُ عليك) . ومن وسائلِ ردِّ كيدِ الشيطان: الاستعاذةَ بالله العظيمِ، ذي الوجه الكريم والسلطانِ العظيمِ من الشيطانِ الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فصلت 36،
فإن الشيطان لا يكفُّه عن الإنسان إلا الله “؛ لذلك أنزلَ الله علينا في كتابه سورتين خاصتين بطلبِ الحفظِ من كيدِه وشر عداوتهِ: سورة الفلق، وسورة الناس، قال ابن القيم رحمه الله: ” والناسُ محتاجون إلى هاتين السورتين “. ومن وسائلِ ردِّ كيدِ الشيطان : ذكرُ اللهِ تعالى : فهو من أعظمِ أسبابِ دفعِ تسلطِ الشياطينِ، فإن الشيطان يخنِسُ عند ذكرِ الله تعالى، ويتضاءلُ ويضمحِلُّ، بل يهرب وينهزمُ، فذِكر الله تعالى أثقلُ شيءٍ على عدوِّه، فهو الحرزُ المتين والحصن الحصين الذي يحفظُ به العبدُ نفسَه من الشيطانِ الرجيمِ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ« مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ » فإذا قلَّ نصيبُك أخي المسلم من ذكرِ اللهِ ،تسلط عليك إبليسُ بالوساوسِ ،وأَجْلَبَ عليك بخيْلِه وَرَجِلِه ،وزيَّن لك المعاصِيَ والموبقاتِ، وزهَّدك في الطاعةِ والقُرُباتِ؛ ولذا ،فإن ذِكرَ اللهِ تعالى من أعظمِ المنجياتِ، فأكثِروا عبادَ الله من ذكرِ اللهِ تعالى، كما أمركم اللهُ بذلك، حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ الاحزاب 41. فأكثروا من ذكرِ الله لاسيما تلاوةُ القرآنِ، فإنه من أشدِّ الأشياءِ على الشيطانِ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ». وفي صحيح البخاري أيضاً في قصةِ أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطانِ أن عدوَّ الله قال له: (قَالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا . قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ ، يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ . قَالَ « مَا هِيَ » . قُلْتُ قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِي لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ » وإن من أسبابِ النجاة من الشيطان وكيدِه معرفةَ خطواتِه ومداخلِه: فإن الله تعالى قد نهى المؤمنين عن اتباعِ خطواتِ الشيطانِ، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ البقرة(168) ولا يتمكَّنُ العبدُ من اجتنابِ خطواتِ الشيطانِ إلا بمعرفتِها، فصارت معرفةُ خطواتِه واجبةً على كلِّ مسلمٍ، فإن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، وقد بيَّن اللهُ تعالى خطواتِه حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ النور 21
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خطبة ابليس:(وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإبليس لعنه الله يحاول إغواء الصالحين من هذه الأمة بكل سبيل، يأتيهم من بين أيديهم، يشكّكهم في آخرتهم ،ويأتيهم من خلفهم ،فيزيّن لهم دنياهم، ويأتيهم عن أيمانهم ، فيشبه عليهم أمر دينهم ،ويثبطهم عن الحسنات، ويأتيهم عن شمائلهم ،فيأمرهم بالسيئات ، ويحثهم عليها ،ويزينها في أعينهم، فهذا قول الله عن إبليس: ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ) سورة لأعراف:16-17، (وعَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِى فَاكِهٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لاِبْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ لَهُ أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ. وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِى الطِّوَلِ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ – قَالَ – ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ – قَالَ – فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ » رواه أحمد وغيره. . ومع ذلك فإن كيد الشيطان ضعيف لمن استعان عليه بالله، والشيطان لا يقدر على من استعاذ بالرب منه عزَّ وجلَّ لأنه يكون قد أوى إلى ركنٍ شديد. وهذا الشيطان يعمل على أمر بني آدم بتغيير خلق الله ( وَلَأُضِلَّنَّهُمْ ) أي عن الحق ( وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ) أي: بطول العمر كي لا يتوبوا (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ) قطع آذان البحيرة الذي كان يفعله المشركون ( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) سورة النساء 119، أي عن الفطرة السوية فيهوّدان الولد أو ينصّرانه أو يمجّسانه، وكذلك يأمرهم بالتلاعب بخلق الله كما في النمص وغيره من الأفعال المنكرة التي يفعلها الناس بأبدانهم وشعورهم كالوشم ونحو ذلك، ويخوفهم، فقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران:175 ، يعني يخوفكم بأوليائهم فيثبّطهم عن الحق وعن سبيله، ولا زالت مكائد الشيطان في تخذيل الناس عن الطاعات وإلقاء الشبهات في نفوسهم حتى يشكّكهم بربهم عزَّ وجلَّ، ففي الصحيحين (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا حَتَّى يَقُولَ لَهُ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ». ومن طرق الشيطان ووسائله : الخمر والميسر ، قال تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) سورةالمائدة:90،
وقال تعالى ( يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ ) المائدة:91، ومن طرق الشيطان ووسائله : السحر والكهانة، قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) سورة البقرة:102، وفي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ – قَالَ – فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ». قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ « فَيَلْتَزِمُهُ ». ومن طرق الشيطان ووسائله : أن يوقع إبليس الناس في الشرك، وفي البدعة، وفي الكبيرة، وفي الصغيرة، وفي الإشغال بالمفضول عن الفاضل، والإلهاء بالمباحات حتى إنه يُنسي الإنسان العبادات،
وقد اجتهد إبليس في هذا الزمان اجتهاداً عظيماً، وخبرته في البشر في السابق يتضح منها تفننه في فتنة أهل هذا الزمان ، وأساس هذه الفتن قديمٌ لكنه يتجدد ففتنة كشف العورات التي أرادها من الأبوين ( يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ) سورة لأعراف:27 ، وتحدث الآن عياناً بياناً، فتنشمر ثياب النساء وتصغر مساحات الأقمشة المستعملة فيها، ويزداد المكشوف من اللحم العاري، وهكذا في أنواع من الموضات المقرفة التي منها ظهور السرة وما تحتها واللباس الداخلي، فبأي عقلٍ وبأي ذوقٍ يحسن هذا؟ وهكذا لا يزال في إلباسهم أنواع الشذوذات من الملابس، ولباس الشهرة ولفت النظر، ويوقعهم في الحرام وأنواع الفواحش والمسكرات والمخدرات وأنواع السرقات والرشاوى
وأكل المال بالباطل، ويتفنن في هذا. ثم يؤلّب أعداءه لتخويف المسلمين بالإرهاب تارةً وبغيره أخرى، وقد قال تعالى:
( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ) آل عمران:175 يعني يخوّفكم بأوليائهم فلا تخافوهم، ثم يوقد الفتن بين المسلمين في محاربة بعضهم بعضاً، وعداوة بعضهم لبعض ، وفي صحيح مسلم (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ». فلا يزال يقوم بأنواع التحريش والتباغض الذي يلقيه في قلوب العباد، ثم لما علم إبليس في هذا الزمان ،أن دين النبي صلى الله عليه وسلم قد حمله سلف هذه الأمة، ونقله العدول عن بعضهم ،حتى بلغ من بلغ من هذه الطائفة المنصورة ،والفرقة الناجية إلى قيام الساعة ، فقد عمد إبليس إلى تأليب أعوانه على أتباع السلف، فشنّوا الحملات على منهج السلف الصالح طعناً في الدين، وتفريقاً للناس عنه، وتشويهاً لمتّبعي السلف الصالح، ومعلومٌ أن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو الذي ينجّي لا غير، وسنة الله في الصراع بين الحق والباطل تقتضي أن يتواجه اليوم أتباع السلف الصالح مع إبليس وجنده الذين حشدهم من تيارات الباطل المختلفة سواءً كانت عصبيات جاهلية قبلية جنسية، وكذلك مذاهب إلحادية وطرق فكرية منحرفة، ومنها تقديم العقل على النص الشرعي، ففتنهم بزبالات الأذهان عن متابعة ما أنزل الرحمن. من هنا كان لا بد لأهل الإسلام وأهل الحق والتوحيد وأتباع طريق السلف الصالح وورّاث طريقة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من القيام لله بالحجة، وإيضاح الحق، ورفض الغربة التي يريد إبليس وأعوانه أن يطوّقوهم بها؛ لأن الحق إذا خفي انتشر الباطل، فإذا لم يعرف الناس الحق فإلى أين يتوجهون، وإذا خفتت رايات الحق فماذا سيرى الناس وإلى أين سيتجهون؟ فكان لا بد لأعوان الحق من الجهر به والدعوة إليه والصدّ والردّ والذبّ عن حياضه، صدّ الأعداء وذبّ هؤلاء الذين يريدون الاعتداء.
الدعاء