خطبة عن حديث (اضْمَنُوا لِى سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ)
سبتمبر 9, 2017خطبة عن قوله تعالى ( لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى (هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (213) البقرة ، وقال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (51) آل عمران ، وقال الله تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (101) آل عمران ، وقال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (161) :(163) الانعام ، وقال الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) (73) ، (74) المؤمنون ، وقال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (52) ،(53) الشورى ، وقال الله تعالى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (22) الملك ، وروى الترمذي : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وَالأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدُودِ اللَّهِ حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ وَالَّذِى يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ»
إخوة الإسلام
الصراط المستقيم : هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وهو الطريق المعبد الممهد الذي يوصل إلى الهدف وإلى الغاية بدون عناء أو تعب أو مشقة . ولذلك قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الانعام ، والصراط المستقيم : هو الدين الحق والمنهج القويم الذي جاء به جميع الرسل ، ودعا إليه النبيون ، والصراط المستقيم : هو القرآن وما جاء فيه من تشريع وأحكام ، وما دعا إليه من بر واحسان ، وما نهى عنه من فساد وطغيان ، والصراط المستقيم : هو الاسلام وما جاء به من عقائد وآداب وأحكام، توصل الناس متى اتبعوها إلى سعادة الدنيا والآخرة، وطريق الاسلام هو الطريق الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر تبليغه وبيانه. ، والصراط المستقيم : هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه تبارك وتعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) (52) ، ( 53) الشورى ، والصراط المستقيم : هو سبيل الله والمتمثل في اتباع ما أمر الله به ،ومجانبة ما نهى الله عنه ، وهو الطريق الذي نصبه الله لعباده على ألسنة رسله وجعله موصلاً لعباده إليه ولا طريق لهم سواه، وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسله بالطاعة، وهو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، والصراط المستقيم : هو طريق الأنبياء ومنهجهم ، وطريق من سار على نهجهم ممن أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . قال الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) (73)، (74) المؤمنون والصراط المستقيم : هو الطريق الذي سلكه وسار عليه أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، والذين قال الله تعالى في وصفهم : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر (8) ،(9) ، والصراط المستقيم : هو الصراط الذي يرجوه كل مسلم ، ويسأل الله في كل صلواته أن يرزقه إياه قائلاً: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6]. فالصراط المستقيم إنما هو سبيل المؤمنين وليس سبيل المغضوب عليهم ولا هو سبيل الضالين. وعلى الاجمال لا التفصيل : فالصراط المستقيم هو : دعوة الرسل جميعا ، وهو الطريق الواضح الذي لا عوج فيه، وهو الدين الحق الذي لا يقبل الله من العباد غيره، وهو القرآن الكريم المتضمن لهذا الصراط، وهو عين ما جاء به الإسلام في دعوة الرسل، وهو الطريق الذي نصبه الله تعالى لعباده على ألسنة الرسل، وجعله موصلًا إليه سبحانه، وهو مضمون الشهادتين : « شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ »
أيها المسلمون
واعلموا أن هناك ارتباطا وثيقا بين الصراط المستقيم في الدنيا ، والصراط المستقيم في الدار الآخرة ، ففي الحياة الدنيا : فالدِّين الحقُّ هو الطَّريق المستقيم الذي لا مَيْلَ فيه ولا عوج، وكذلك فإن أتباعَ هذا الدِّين الحق سيجُوزون على هذا الصراطِ المستقيم الذي سيوصلهم إلى الجنَّة في الدار الآخرة ، وأما الناكبون عن طريق الحق، والمتبعون لأهوائهم ، والعابدون لشهواتهم ، والمفسدون في الأرض ،فإنهم لن يستطيعوا اجتيازَ هذا الصراط المستقيم، فهناك إذًا ارتباطٌ وثيق بين الصراط المستقيم والطريق الحق، وهو الدين ، وبين دخول جنات رب العالمين ، فلا يصل إلى الجنةِ إلا مَن سلَك الصراط المستقيم في الدنيا ، وعلى قدر استقامة العبد على الصراط في الدنيا، على قدر ثبوت قدمه على الصراط الحسي، وهو الجسر المنصوب على متن جهنم يوم القيامة، فعلى قدر سير العبد على الصراط في الدنيا يكون سيره على ذاك الصراط في الآخرة . ويوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا الصراط ، كما في مسند الإمام أحمد (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِى يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ » ، وفي مسند أحمد أيضا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيماً ». قَالَ ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ « هَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلاَّ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الانعام (153)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول ابن القيم رحمة الله عليه حول معاني الصراط المستقيم ، يقول : ولنذكر في الصراط المستقيم قولاً وجيزاً؛ فإن الناس قد تنوعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته وحقيقته ( أي الصراط المستقيم ) شيء واحد، وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلاً لهم إليه ولا طريق إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله وجعله موصلاً لعبادة الله، وهو إفراده بالعبادة، وإفراد رسله بالطاعة، فلا يشرك به أحد في عبادته، ولا يشرك برسوله صلى الله عليه وسلم أحد في طاعته، فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مضمون « شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ » فأي شيء فسر به الصراط المستقيم فهو داخل في هذين الأصلين . وهذا القول الذي ذكره ابن القيم رحمه الله هو قول واضح في تفسير الصراط المستقيم ، وفي أنه عبادة الله جل وعلا وحده وألا نشرك به شيئا، وعباد ة الله سبحانه وتعالى تتضمن : كمال الحب لله، مع كمال الذلّ له، فلا يعبد إلا الله جلّ وعلا، فتكون العبادة خالصة لله جلّ وعلا، وكل ما يتقرب به العبد المؤمن من فعل يفعله يرجو به ثوابه، وكل ما يتركه يخاف عقوبته فهو عبادة لله ، ألا فالزموا صراط الله المستقيم لتكونوا من عباد الله المفلحين ،فقد قال الله تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (67) القصص
الدعاء