خطبة عن اسم الله ( الْخَبِيرُ )
فبراير 24, 2018خطبة عن الصحابي: (أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ)
فبراير 24, 2018الخطبة الأولى (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (40) :(43) البقرة
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع قوله تعالى : (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (42) البقرة فاللبس : هو الخلط ، والحق: هو الأمر الثابت الصحيح الواجب فعله من اعتقاد أو قول أو عمل ،والباطل : هو ما كان على خلاف الحق ، وهو ما لا واقع له ،وجاء في معنى هذه الآية عن قتادة ، قال : المعنى لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله – الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به – هو الإسلام ، وأن اليهودية ، والنصرانية بدعة ، وليست من الله ،كما روي عن ابن عباس قال : لا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل وهو التغيير والتبديل ، وقال أبو العالية : قالت اليهود محمد مبعوث ولكن إلى غيرنا فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل .وقال ابن زيد : المراد بالحق التوراة ، والباطل ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام وغيره ففي التوراة آيات لم يحرفها اليهود ، وآيات محرفة، فكل الآيات التي تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه ، وأنه النبي الخاتم ، حرفها اليهود. والآيات التي لا تتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرفوها ، فكأنهم خلطوا الحق بالباطل ، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يبلغنا أن اليهود قد وضعوا في التوراة باطلا لم يأمر به الله. وكتموا الحقيقة عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم لم يفعلوا ذلك عن طريق الخطأ أو السهو أو النسيان؟ لا ، بل فعلوه وهم يعلمون . وقال الإمام السعدي رحمه الله: ( وَلَا تَلْبِسُوا ) أي: لا تخلطوا الحق بالباطل وتكتموا الحق، فنهاهم عن شيئين، عن خلط الحق بالباطل ، وكتمان بيان الحق ، وفي قوله تعالى : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (42) البقرة قال ابن عباس : يعني كتمانهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعرفونه . وقال محمد بن سيرين : نزل عصابة من ولد هارون يثرب لما أصاب بني إسرائيل ما أصابهم من ظهور العدو عليهم والذلة ، وتلك العصابة هم حملة التوراة يومئذ فأقاموا بيثرب يرجون أن يخرج محمد صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم وهم مؤمنون مصدقون بنبوته فمضى أولئك الآباء وهم مؤمنون وخلف الأبناء وأبناء الأبناء فأدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فكفروا به وهم يعرفونه وهو معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) البقرة (89) ،وأما قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي تعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم حق ، فكفرهم به كان كفر عناد ،ولم يشهد تعالى لهم بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ودل هذا على تغليظ الذنب على من واقعه على علم وأنه أعصى من الجاهل
أيها المسلمون
إن فتنة التزيين ،ولبس الحق بالباطل ،وإتباع الهوى ،من أعظم الفتن التي يفتن بها الشيطان العباد، بل وهناك صنف من الناس تعاونوا مع شياطين الأنس والجن في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال المزخرفة، والألفاظ الخادعة، وتسمية الأشياء بغير أسمائها ، فَضَلّ بسبب ذلك الكثير من الناس. ومن صور تلبيس الحق بالباطل : ترك الأمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،والجهاد في سبيل الله ، بحجة الخوف من الابتلاء ،وتعريض النفس للفتن، ومن صور تلبيس الحق بالباطل : المداهنة وضعف الولاء والبراء بحجة المداراة والتسامح ومصلحة الأمة، ومن صور تلبيس الحق بالباطل :الانفتاح على الدنيا والركون إليها، بحجة التعفف عن الناس وإنفاق المال في وجوه الخير، فينفتح على الدنيا، ويركن إليها، ويضع له الشيطان في كل وادٍ من أوديتها شغلاً وهماً يتشعب فيهما الفكر، ويتشتت فيهما الذهن ،ومن صور تلبيس الحق بالباطل : الاحتجاج بيسر الشريعة وضغط الواقع، وهذا حق لا شك فيه، ولكن الاحتجاج بهذا التيسير للتفلت من أحكام الشريعة والتحايل عليها، واتباع الهوى في الأخذ بالرخص والشذوذات الفقهية، كل هذا باطل وتلبيس وتضليل، يتبنى ذلك أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات، يريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) النساء (27) ،(28) ،ومن صور لبس الحق بالباطل: التلبيس على الناس برفع لافتات إسلامية تخفي وراءها الكيد للدين وأهله: ويحصل من جراء ذلك: أن يُخدع كثير من المسلمين بهذه اللافتات فينشغلون بها، ويثنون على أهـلها بدلاً من فضحها وكشف عوارها وتعرية باطلها، يقول ابن القيم-رحمه الله-: “فإن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما؛ كما قال عمر بن الخطاب: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين، ويقول سيد قطب رحمه الله تعالى: وآفة رجال الدين حين يفسدون أن يصبحوا أداة طيعة لتزييف الحقائق باسم أنهم رجال الدين ،ومن صور لبس الحق بالباطل: : قوانين هؤلاء الرؤساء الذين يحرمون على الناس ما لم يحرمه الله، ويشرعون لهم ما لم يشرعه من حيث يكتمون ما شرعه بالتأويل أو الترك، ومنها : تحريف الأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل عـلى مناط فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهماً أن المناطين واحد، ومن صور لبس الحق بالباطل: دعوَى التجديد والتّصحيح والنهوضِ بالمجتَمَع إلى مستوَى مُسايرةِ الرَّكب واستِجلاب كلِّ ما يخدِم ذلك من تأويلاتٍ وشبهات ولَيٍّ لأعناقِ النّصوص الواضحات، يقول بعضُ السلف: “إنَّ الحقَّ إذا لُبس بالباطل يكون فاعلُه قد أظهَرَ الباطلَ في صورةِ الحقّ، وتكلّم بلفظٍ له مَعنَيَان: مَعنى صحيح ومعنى بَاطِل، فيتوهَّم السامعُ أنه أرادَ المعنى الصّحيح، ومُرادُه في الحقيقةِ هو المعنى الباطِل”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فمن الواجب على المسلمين ،الحذر من الملبسين ،الذين ضلوا وأضلوا، وكشف أساليبهم الملتوية ، وقد خاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من الأئمة المضلين الذين يلبسون على الناس دينهم بأهوائهم وضلالاتهم، ففي سنن الترمذي بسند صحيح (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ ». قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ ». ومن الآثار المترتبة على لبس وخلط الحق بالباطل أن هذا التَّلبيسَ والتضليلَ ينتهي بالمسلمين إلى الفُرقةِ التي يَصعُب معها الاجتماع؛ إذ كلُّ طائفةٍ سَتزعم أنَّ لها منهجَها الخاصَّ بها، فتتنوَّع الانتماءات إلى الإسلام في صُورٍ يُغايِر بعضُها بعضًا ، حتى إنَّنا لنَرى بسَبَبِ مثلِ ذلك إسلامًا شماليًّا وإسلامًا جنوبيًّا وإسلامًا شرقيًّا وآخر غربيًّا، وإنما الإسلام شِرعةٌ واحدةٌ وصِبغَة ما بعدَها صِبغة، ولكنّه التضليل والتلبيس الذي يفعَل بالمجتمعاتِ ما لا تَفعَلُه الجيوشُ العاتِيَة. ويؤكِّد كلامَنا هذا مَقولةُ ابنِ مَسعود رضي الله عنه التي يقول فيها: (كيفَ بِكم إذا لبِسَتكم فتنةٌ يربُو فيها الصغير، ويهرمُ فيها الكبير، وتُتَّخَذ سُنّة، فإن غُيِّرت يومًا قيل: هذا مُنكَر)، قالوا: ومتى ذلك؟ قال: (إذا قلَّت أمناؤكم، وكثُرت أُمراؤكم، وقلَّت فُقهاؤكم، وكثُرت قُرّاؤكم، وتُفُقِّه في غيرِ الدّين، والتُمِسَت الدنيا بعَمَل الآخرة) رواه الحاكم في المستدرك ،وقد حذر الله -جل وعلا- من هذا الأمر ،لأن الحق إذا اختلط بالباطل ،فمعنى ذلك أن سبيل المجرمين لن يتميز عن سبيل المؤمنين، وسيبقى الدين مشوهاً عند الناس،وقد توعّدَ الله أصحابَ هذا المسلكِ بقولِه تعالى : (الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ) [البقرة: 159]، وقد جاءَ في صّحيحِ مسلم (قَالَ عُثْمَانُ وَاللَّهِ لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا وَاللَّهِ لَوْلاَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّى الصَّلاَةَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الَّتِي تَلِيهَا ». قَالَ عُرْوَةُ الآيَةُ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) إِلَى قَوْلِهِ (اللاَّعِنُونَ) ،وروى أحمد في مسنده 🙁 قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ …… وَايْمُ اللَّهِ لَوْلاَ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ أَبَداً. ثُمَّ تَلاَ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) الآيَةَ كُلَّهَا. وفيه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
الدعاء