خطبة عن حديث ( سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ)
مارس 10, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)
مارس 10, 2018الخطبة الأولى ( الدعاء وفضائله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة ،وقال الله تعالى : (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (32) النساء، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ »، وروى الترمذي : (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً »
إخوة الإسلام
إنّ من أعظم نعم الله تعالى على عباده ، أنْ أذن لهم بدعائه مباشرة بغير وسائط، بل أمرهم بذلك ،حتى إنه ليغضب على عبده التارك للدعاء، فالدعاء : سمة العبودية، وروضة القلب، وجنة الدنيا، وهو عبادة ميسورة ومطلقة ، وغير مقيدة بمكان ولا زمان ولا حال، والدعاء : هو عدو البلاء ،يدافعه أو يعالجه ،أو يمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” أنا لا أحمل هم الإجابة فإذا ألهمت الدعاء فإن معه الإجابة ، فالدعاء بإذن الله يكشف البلايا والمصائب ،ويمنع وقوع العذاب والهلاك، وهو سلاح المؤمن، فلا شيء من الأسباب أنفع ولا أبلغ في حصول المطلوب منه، وما استجلبت النعم ولا استدفعت النقم بمثله، فبه تفرج الهموم ،وتزول الغموم، وكفاه شرفا ،قرب الله من عبده حال الدعاء، قال الله تعالى : (وإِذَا سَألَكَ عِباديْ عَني فَإني قريبٌ أُجيب دعوةَ الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بِي لعلهُمْ يرشُدُونَ) “البقرة 186” ، وأعجز الناس هو من عجز عن الدعاء. وبالدعاء تسمو النفوس، وتعلو الهمم، ويقطع الطمع عما في أيدي الخلق، وهو سهام الليل يطلقها القانتون، وهو حبل ممدود بين السماء والأرض، فادع وربك الأكرم، وألق نفسك بين يديه، وسلم الأمر كله إليه، واعزم المسألة، وعظم الرغبة، فما رد الله سائله ،ولا خاب طالبه، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالخلق لم تسد فاقته ، ومن أنزلها بالرب ،فنعم الرزاق هو، ومن ظن بربه خيرا ،أفاض عليه جزيل خيراته ، وأسبل عليه جميل تفضلاته، فلازم الطلب فالمعطي كريم، والكاشف قدير، ولا تستعجل الإجابة إذا دعوت، ولا تستبطئها إذا تأخرت، ومن يكثر قرع الأبواب يوشك أن يفتح له، ومن حلَّت به نوائب الدهر وجأر إلى الله حماه ، قال وقوله الحق : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (62) النمل ، فقد ألقي يونس في بطن الحوت، وبالدعاء نبذ بالعراء من غير أذى. فإذا تزخرف الناس بطيب الفراش فارفع أكف الضراعة إلى المولى في دجى الأسحار، فبدعوة تتقلب الأحوال، فالعقيم يولد له ، والسقيم يشفى، والفقير يرزق، والشقي يسعد، بدعوة واحدة أغرق الله أهل الأرض جميعهم ،إلا من شاء الله ،وهلك فرعون بدعوة موسى، قال سبحانه: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون﴾ يونس (88) ،(89) ، وبالدعاء وهب الله ما وهب لسليمان بغير حساب بسؤال ربه الوهاب، وشفى الله أيوب من مرضه بتضرعه، قال الله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (83) ،(84) الأنبياء ، فأكثر الدعاء لنفسك بالهداية ،والبعد عن الفتن ،والثبات على الدين ،وإصلاح نيتك ، وإخلاص عملك.
أيها المسلمون
روى الحاكم في المستدرك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول : عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك فهل كنت تدعوني ، فيقول نعم يا رب فيقول أما إنك لم تدعني بدعوة إلا استجبت لك ،أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك ،فيقول نعم يا رب فيقول فإني عجلتها لك في الدنيا ،ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا ،قال نعم يا رب فيقول إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا ،ودعوتني في حاجة أقضيها لك يوم كذا وكذا فقضيتها لك ،فيقول نعم يا رب فيقول فإني عجلتها لك في الدنيا ،ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها ، فيقول نعم يا رب فيقول إني ادخرت لك في الجنة كذا وكذا ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقول الله عز وجل دعوة دعا به عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن يكون ادخر له في الآخرة وإما أن يكون كفر عنه من ذنوبه ، قال فيقول المؤمن في ذلك المقام يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه ) ، فللدعاء فضائل كثيرة ، ومنها : أن الدعاء عبادة وطاعة لله عزَّ و جلَّ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ » رواه الترمذي ، وروى الترمذي : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ ». ومن فضائل الدعاء : أن الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله أو رفعه بعد نزوله . روى الترمذي : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ »، ومن فضائل الدعاء : أن ثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله ، روى أبو داود : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ». وعن أبي سعيد الخدري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ” قالوا : إذن نكثر قال : ” الله أكثر ” . الأدب المفرد وقال الألباني حسن صحيح ، وروى الترمذي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ ». صححه الألباني
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الدعاء وفضائله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائل الدعاء : أن الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء . ومن فضائل الدعاء : أن الدعاء دليل على الإيمان بالله والاعتراف له بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات ، فدعاء الإنسان لربه ، فهو متضمن إيمان بوجوده وأنه غني ، سميع ، بصير ، كريم ، رحيم ، قادر ، مستحق للعبادة وحده دون سواه ، وهو دليل على التوكل على الله ، وذلك أن الداعي حال دعائه مستعين بالله ، مفوض أمره إليه وحده دون سواه . ومن فضائل الدعاء : الوقاية من غضب الله : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ لاَ يَسْأَلْهُ يَغْضَبْ عَلَيْهِ » رواه احمد ومن فضائل الدعاء : أنه ينفع بعد الموت ،روى مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ». ومن فضائل الدعاء : السلامة من الكبر : قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (60) (غافر) ومن فضل الدعاء أنه سبب لانشراح الصدر: يقول القائل :
وإني لأدعو الله والأمر ضيق …. على فما ينفك أن يتفرجا
ورب فتى ضاقت عليه وجوهه .. أصاب له من دعوة الله مخرجا
ومن فضل الدعاء أنه من صفات عباد الله المتقين، قال الله تعالى : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (90) (الأنبياء) ، ومن ثمرات الدعاء حصول المودة بين المسلمين ،فاذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب أحبه واستجيبت دعوته ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ) (رواه مسلم) ، ومن أقوال السلف في الدعاء: فعن عبد الله بن مسعود قال: إن الله لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء، إن الله تعالى لا يقبل من مسمِّع، ولا مراء، ولا لاعب، ولا لاه، إلا من دعا ثبتَ القلب ،وعن أبي الدرداء قال: ادع الله في يوم سرائك، لعله يستجيب لك في يوم ضرائك وكان يقول: جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ،وعن حذيفة قال: ليأتينَّ على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء كدعاء الغريِق .
الدعاء