خطبة حول حديث (مَا كَانَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ)
فبراير 16, 2019خطبة عن حديث (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)
فبراير 23, 2019الخطبة الأولى (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (49) ،(50) الحجر
إخوة الإسلام
على مائدة القرآن تنزاح أثقال الهموم ..وعلى مائدة القرآن تغور أنفاس الغموم . يقول الله تعالى :(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت (41) ،(42) ، وعلى مائدة القرآن الكريم نلتقي اليوم إن شاء الله مع قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (49) ،(50) الحجر ، فمن أقوال العلماء والمفسرين :قال ابن كثير : (أي : أخبر يا محمد عبادي : أني ذو رحمة ،وذو عقاب أليم ، وهي دالة على مقامي الرجاء والخوف ، وذكر في سبب نزولها ما رواه موسى بن عبيدة عن مصعب بن ثابت قال : مر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ناس من أصحابه يضحكون ، فقال : ” اذكروا الجنة ، واذكروا النار ” فنزلت :(نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ) رواه ابن أبي حاتم ، وعن قتادة قال : بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لو يعلم العبد قدر عفو الله تعالى ما تورع من حرام ، ولو علم قدر عقابه لبخع نفسه ” أي : قتلها ، وفي تفسير الطبري : يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَخْبِرْ عِبَادِي يَا مُحَمَّد , أَنِّي أَنَا الَّذِي أَسْتُر عَلَى ذُنُوبهمْ إِذَا تَابُوا مِنْهَا وَأَنَابُوا , بِتَرْكِ فَضِيحَتهمْ بِهَا وَعُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا , الرَّحِيم بِهِمْ أَنْ أُعَذِّبهُمْ بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا عَلَيْهَا ، وجاء في تفسير القرطبي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ». رواه مسلم ، وهكذا ينبغي للإنسان أن يذكر نفسه وغيره فيخوف ويرجى، ويكون الخوف في الصحة أغلب عليه منه في المرض ، وقال السعدي : ” نَبِّئْ عِبَادِي ” أي: أخبرهم خبرا جازما, مؤيدا بالأدلة. ” أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته ومغفرته, سعوا بالأسباب الموصلة لهم إلى رحمته, وأقلعوا عن الذنوب, وتابوا منها, لينالوا مغفرته. ” وأن عذابي هو العذاب الأليم ” ومع هذا, فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن والإدلال ، فإنهم إذا عرفوا أنه ” لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد ” حذروا, وبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب. فالعبد, ينبغي أن يكون قلبه دائما, بين الخوف والرجاء, والرغبة والرهبة. فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته, وجوده وإحسانه, أحدث له ذلك الرجاء والرغبة. وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه, أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها. وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: «أَتَضْحَكُونَ وَبَيْنَ أَيْدِيكُمُ النار»، فنزل جبريل بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ: «يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ لِمَ تُقَنِّطْ عِبَادِي مِنْ رَحْمَتِي».
أيها المسلمون
ومن عجيب هذه الآية ،أن الله سبحانه وتعالى نسب فيها الرحمة لنفسه ،بينما لم ينسب العذاب لنفسه ، فسبحان من وسعت رحمته الذنوب كلها . فهذه الآية تنادي كل من طرق باب التوبة ،وتقول له : فضل الله واسع ،، ورحمته سبقت غضبه ،، فالله غفور رحيم . وفيها أيضا دعوة إلى التوازن : فالعبد المؤمن يسير بين الخوف والرجاء ،يرجو رحمة الله ، ويخشى عذابه ، وهذا هو المنهج القرآني في كثير من آياته ، فينبغي علينا كمسلمين أن نأتم بالمنهج القرآني ، وأن نجمع بين الأسلوبين في حياتنا ، وفي تعاملنا مع الناس , فلا تكون الحياة دائماً ترف ودلال , ولا تكون دائماً منع وعقاب ، فالتوازن مطلوب ما دام في ظل الشرع . ومن اللطائف ، قال بعضهم : في هاتين الآيتين تَرجيحًا لجانب الرحمة على جانب العذاب مِن وجهين: الأول: أنَّهُ جَعَلَ الرحمة مُقدمةً على العذاب ؛ فَصَدَّرَ بها الخطاب. الثاني: عندما ذكَرَ الله الرحمة نسبها إلى ذاتهِ ؛ ليجعلها صفةً مُلازمةً لهُ فقال: “إنِّي أنا الغفور الرحيم” ، بينما لم يفعل ذلكَ في الثانية ويقول وإنّي أنا المُعَذِبُ المُؤلِم بل اكتفي بإضافةِ العذابِ إليهِ دونَ أن يجعلهُ صفةً لهُ ، فالله تعالى ينادي على عباده الشاردين ، ويبشرهم برحمته ، ويذكرهم بنعيم جنته ، قال الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [ التحريم: 8] ، فيجب على المؤمن دائمًا وكذا المؤمنة ،أن يسير إلى الله في أعماله ،وأقواله ،بين الخوف والرجاء ،وحسن الظن بالله تعالى ، لأن الله جل وعلا أمر عباده بأن يحسنوا به الظن ،وبأن يخافوه ،ويرجوه ، فقال جل وعلا: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175]، وقال سبحانه : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا) [الكهف:110]، وقال تعالى : ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة:40].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالمؤمن مأمور برجاء ربه وخوفه سبحانه ،فيخافه ويرجوه، قال الله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ) (49) ،(50) الحجر ،وقال سبحانه: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ) [غافر:3]، وفي ذلك حث الناس على الخوف والرجاء، فلا يقنط ، ولا يأمن ، ولكن يرجو الله ويخافه، ويجتهد في العمل الصالح ،وترك ما حرم الله عليه، ويحسن ظنه بربه ،وأنه سبحانه يوفي بما وعد ، وهو الكريم الجواد، فمن أدى ما عليه فالله جل وعلا سيوفي له بما وعده من الخير، أما إن قصر ولم يقم بالواجب فلا يلومن إلا نفسه، وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِى ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً » ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ يَقُولُ :« لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ ». ولا يستقيم له هذا ، إلا إذا أحسن القول والعمل ، وإذا اتقى ربه ، وجاهد نفسه ،وحذر محارمه ،فإن هذا هو الذي يستطيع أن يحسن ظنه بربه،
أما من ساءت أعماله ،وساءت أقواله ،فكيف يستطيع أن يحسن ظنه بربه ، وقد بارزه بالمعاصي ، وتعدى حدوده ،وترك أوامره ،وارتكب نواهيه، فتحسين الظن بربه في هذه الحال يكون غرورا وخداعا من الشيطان، فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة ،أن يراقب الله سبحانه ،وأن يجتهد في طاعته ،وترك معصيته ،وأن يحسن الظن به سبحانه ،لكونه قام بما يجب، وترك ما نهى الله عنه،
الدعاء