خطبة عن حديث (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)
مارس 16, 2019خطبة عن (من ثمرات الصدق ومنازل الصادقين)
مارس 16, 2019الخطبة الأولى ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (139) ،(140) آل عمران
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ، مع قوله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ، فقد خلَق الله المؤمنين ليكونوا في المرتبة الأعلى ،وفي المكانة السامية، لا ليكونوا في المرتبة أو المكانة الدونيَّة، ولا ليكونوا تابعين ، وإنما ليكونوا متبوعين ، لأنهم ينتمون إلى أمَّة الخيريَّة؛ قال الله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]،وهم ينتمون إلى أمَّة الفوقيَّة ؛ قال الله تعالى : {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]. وجاء في تفسير (ظِلال القرآن) : “ولن يجعل الغلَبَة والقهْر للكافِرين على المؤمنين، إنَّه وعدٌ من الله قاطعٌ، وحكمٌ من الله جامعٌ، أنَّه متى استقرَّت حقيقة الإيمان في نُفُوس المؤمنين، وتمثَّلت في واقع حياتهم منهجًا للحياة ونظامًا للحكم، وتجرُّدًا لله في كلِّ خاطرةٍ وحركةٍ وعبادةٍ لله في الصغيرة والكبيرة، فلن يجعَلَ الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً. وكذلك حين يُقرِّر النصُّ القرآني أنَّ الله لن يجعَلَ للكافرين على المؤمنين سبيلاً، فإنما يُشِير إلى أنَّ الرُّوح المؤمِنَة هي التي تنتَصِر، والفكرة المؤمنة هي التي تَسُود، وإنما يدعو الجماعة المُسلِمة إلى استِكمال حقيقة الإيمان في قلوبها تصوُّرًا وشُعُورًا، وفي حياتها واقعًا وعملاً، وألاَّ يكون اعتِمادُها كلُّه على عنوانها، فالنصر ليس للعُنوانات، إنما هو للحقيقة التي وراءَها، وليس بيننا وبين النصر في أيِّ زمانٍ وفي أيِّ مكانٍ إلاَّ أنْ نَستَكمِل حقيقةَ الإيمان، ونستَكمِل مُقتَضَيات هذه الحقيقة في حياتنا وواقعنا كذلك، ومن حقيقة الإيمان أنْ نأخُذ العُدَّة ونستَكمِل القوَّة، ومن حقيقة الإيمان ألاَّ نَركَن إلى الأعداء، وألاَّ نَطلُب العِزَّة إلاَّ من الله ) . فأنتم الأعلَوْن فلا تحزنوا، وأنتم الأعلَوْن فلا تَهِنُوا، أنتم الأعلَوْن إذا حقَّقتُم شرطَ الإيمان ، ولن يجعَل الله للكافرين على المؤمنين – الذين حقَّقوا شرطَ الإيمان – سبيلاً. والمسلم يتقلَّب بين الخوف والرَّجاء، والترهيب والترغيب، والوعد والوعيد، والإنذار والإبشار؛ لذلك عليه أنْ يجعَلَ دنياه مزرعة لآخِرته، فيعمَل لِمَعاده كما يعمَل لِمَعاشه، ويعمَل لغده كما يعمَل ليومه، ويعمَل لآخِرته كما يعمَل لدنياه، هكذا يوجِّه الله عبادَه في القرآن الذي نزل من علٍ، من فوق سبع سماوات.
أيها المسلمون
وكان المشركون في معركة أحدٍ قد نالوا من المسلمين، وأصابوا منهم جِراحًا بليغة في مواطن كثيرة، وقتلوا منهم عددًا تجاوَز السبعين صحابيًّا، وكسروا بعض أسنان رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجرَحُوا وجهَه الكريم، وكادوا يفعَلُون أكثر من ذلك، ولكنَّ الله سلَّم؛ وقد تأثَّر المسلمون ممَّا أسفرتْ عنه نتائج تلك المعركة، وظنُّوا أنَّ النصر لم يعد يعرف طريقًا إليهم، فبيَّن لهم سبحانه أنَّ النصر والهزيمة يَخضَعان لنواميس لا تتحوَّل، وقوانين لا تتخلَّف، وسنن لا تتبدَّل؛ قال الله تعالى : {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح :23]، فنزلتْ هذه الآيات تخفيفًا عن المسلمين ما نزَل بهم، وطلبًا منهم ألاَّ يستَسلِموا للضعف والهزيمة، ولا يَيْئَسوا من نصر الله، بل عليهم أنْ يُواجِهوا الموقف بقوَّةٍ وصلابة ورباطة جأش؛ وذلك لأنَّ مكانتهم في الدنيا والآخِرة أسمى وأرفع وأعلى من مكانة أهل الكفر والضلال؛ فقال الله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (139) ،(140) آل عمران ، وقد روَى المفَسِّرون في سبب نزول الآية {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران 139] خبرَيْن: الخبر الأول: رواه الطبري في (تفسيره) عن الزهري، قال: كَثُرَ في أصحاب محمد صلَّى الله عليه وسلَّم القتلُ والجِراح، حتى أصاب كلَّ امرئ منهم اليأسُ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ القرآن، فواسَى فيه المؤمنين بأحسن ما واسَى به قومًا كانوا قبلهم من الأمم الماضية، فقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران 139]، فجاءتْ هذه الآية تعزيةً لأصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحثًّا لهم على قتال عدوِّهم، ووعدًا لهم بالنصر والظفر عليهم. والخبر الثاني: رواه الطبري أيضًا عن ابن عباسٍ رضِي الله عنهما قال: أقبَلَ خالد بن الوليد – وكان ذلك قبلَ أنْ يُسلِم – يُرِيد أنْ يعلو عليهم الجبل (جبل أحدٍ) فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللهم لا يعلون علينا»، فأنزل الله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]. وطريقٌ آخَر لهذه الرواية يُفصِّل المعنى، ويُظهِر تفاصيل الحدث: فعندما انهَزَم أصحابُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ أحُدٍ، قالوا: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فنعى بعضهم بعضًا، وتحدَّثوا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد قُتِل، فكانوا في همٍّ وحزن، فبينما هم كذلك إذ علاَ خالد بن الوليد الجبل بخيل المشركين فوقَهم، وهم أسفل الجبل، فلمَّا رأوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرِحُوا، وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللهم لا قوَّة لنا إلا بك، وليس يَعبُدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر»، ورجَع نفرٌ من المسلمين الرُّماة، فصعدوا الجبل، ورموا خيل المشركين حتى هزَمَهم الله، وعلا المسلمون الجبل، فأنزل سبحانه قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران 139]، وقد صدَق الله وعدَه، ونصَر عبدَه، وهزَم أهلَ الشِّرك والضَّلال، فإنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد وقعة أحُدٍ لم يخرج في غزوةٍ من غزواته إلاَّ كان النصر حليفَه، والتوفيق رفيقَه. وقال الإمام القُرطبي في تفسيره بعد ذِكْرِه سببَ نزول هذه الآية: “فلم يخرُجوا بعد ذلك عسكرًا إلاَّ ظَفِروا في كلِّ عسكرٍ كان في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي كلِّ عسكر كان بعدَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان فيه واحدٌ من الصحابة كان الظفر لهم”. على أنَّ الأمر المهمَّ وراءَ سبب نزول هذه الآية، هو أنْ يَعِيَ المسلمون اليوم درسَ يوم أُحُدٍ، وسُنَنَ الله في الأرض، ويتعلَّموا أنَّ قوانين الله في خلقه جارية لا تتخلَّف، وباقية لا تتبدَّل، وأنَّ الأمور لا تمضي جزافًا، وإنما تتبع قوانين محدَّدة، وسننًا ثابتة، فإذا هم درسوها، وأدركوا معانيها، وأخذوا بأسبابها، وعمِلُوا بمقتضاها، كان النصر حليفَهم، والتوفيق قائدهم، والعزَّة طريقهم، وأنَّ من أهمِّ تلك السنن أنَّ النصر دائمًا إنما يكون حليفًا لِمَن يُقِيم شرعَ الله، ويَعمَل على هدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول صاحب الظلال في ظلاله : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139]، لا تَهِنُوا ، ولا تحزنوا لما أصابكم ولما فاتكم وأنتم الأعلون. فعقيدتكم أعلى؛ فأنتم تَسجُدون لله وحدَه، وهم يَسجُدون لشيءٍ من خلْقه أو لبعضٍ من خلقه ومنهجكم أعلى؛ فأنتم تَسِيرون على منهجٍ من صنع الله، وهم يَسِيرون على منهجٍ من صنع خلْق الله. ودوركم أعلى؛ فأنتم الأوصِياء على هذه البشريَّة كلِّها، الهداة لهذه البشرية كلها، وهم شارِدُون عن النَّهْجِ، ضالُّون عن الطريق. ومكانكم في الأرض أعلى؛ فلكم وِراثة الأرض التي وعَدَكم الله بها، وهم إلى الفَناء والنِّسيان صائرون، فإنْ كنتم مؤمنين حقًّا فأنتم الأعلون، وإنْ كنتم مؤمنين حقًّا فلا تَهِنُوا ولا تحزَنوا، فإنما هي سنَّة الله أنْ تُصابُوا وتُصِيبوا على أنْ تكون لكم العُقبَى بعدَ الجهاد والابتِلاء والتَّمحيص؛ قال الله تعالى : {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:140-141]. ففي الآية: بيانُ سنَّة الله في المدافعة بين الكفْر والإيمان، والحق والباطل، وأنَّ العاقبة للمتَّقين، والخزْي والسوء لاحقٌ بالكافرين، وإنْ كان ظاهر الأمر يدلُّ على خِلاف ذلك فإنما هو من باب الاستِدراج للكافرين، والابتِلاء للمؤمنين، فإنَّ للباطل جولة، ثم لا يَلبَث أنْ يندَحِر، وسرعان ما يندَثِر، ويَبُوء بالفشل والخذلان، وهذا ما تُؤكِّده وقائعُ التاريخ الماضي والحديث.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقوله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ، إنه نداء الله الدائم أن لا نهِن ولا نحزن ما دمنا مؤمنين، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو سبحانه العليم الحكيم العزيز الجبار المنتقم، فلا نشك للحظة في إرادته وحكمته؛ فقد نعلم بعض ملامحها وقد لا نعلم، والمهم هو أن نكون على الصراط المستقيم، وأن لا نؤتى مِن قِبلنا، أن لا يكون الخطأ الذي لا مجاملة فيه، فسنن الله لا تحابي أحدا، من أخذ بها وفقه الله، ومن تنكبها تنكبت له. قد تكون الهزيمة لخلل في النفوس وضعف في الإيمان، وقد تكون لخلاف بين المسلمين أدى إلى تنازع ففشل وذهاب قوة، وقد يكون لميل نحو الدنيا وغنائمها، وقد يكون لتشتت ولاء المسلمين بجعله لغير الله ورسوله والمؤمنين، وقد تكون لتقصير في الأخذ بالأسباب، فيحقق الله تعالى أهدافا كثيرة، منها ليعلم المؤمنين الصابرين علم مشاهدة يقيم به الحجة، وليتخذ الله من المؤمنين شهداء، ويمحّص المؤمنين بتعريضهم للبلاء استعدادا لما هو مقبل في معركة الإسلام مع الكفر: “إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ” (آل عمران، الآيتان 140 و141). فإن مسّكم قرح فقد مس القومَ قرح مثله، ومداولة الأيام هي بناء على الإيمان والاستعداد والاستحقاق للنصر والخلافة في الأرض، فأن نكون على قدر المسؤولية، فحينها نحن سادة الدنيا، ولنا الغلبة، لا لذات النصر ونشوة التفوّق، بل لما يحمله المسلم من مبادئ يريد نشرها في العالم كله، حيث سعادة الإنسان وحريته وقيامه بمسؤولياته، وأهمها تحريره من عبادة غير الله تعالى، وأن يكون إيجابيا مكرَّما في هذه الحياة. ومع هذا فلا يعتقد المسلم أبدا أن الله يصرف النصر عن قوم يستحقونه، فلا تكون الهزيمة إلا لخلل كما ذكرت، وإلا فالله يقرر حقيقة لا تتخلف أبدا، قال الله تعالى :“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (محمد، 7) ، ويقول سبحانه وتعالى : “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج، 40). وبناء عليه، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فلنتفقد أنفسنا على ما بدا منا، وما نعتقده في قرارة أنفسنا، وما هي وجهتنا الحقيقية، أهي من أجله تعالى وفي سبيله، أم لأهداف أخرى؟
أيها المسلمون
وقوله تعالى 🙁وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ، فقد يتبادر إلى الذهن من هذا التوجيه أنه ينصب على حالة الجهاد الممثلة في القتال. ولكن حقيقة هذا التوجيه ومداه أكبر وأبعد من هذه الحالة المفردة، بكل ملابساتها الكثيرة. إنه يمثل الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن وتصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص سواء. إنه يمثل حالة الاستعلاء التي يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل شيء، وكل وضع، وكل قيمة، وكل أحد، الاستعلاء بالإيمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان. الاستعلاء على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان. وعلى قيم الأرض التي لم تنبثق من أصل الإيمان. وعلى تقاليد الأرض التي لم يصغها الإيمان، وعلى قوانين الأرض التي لم يشرعها الإيمان، وعلى أوضاع الأرض التي لم ينشئها الإيمان. الاستعلاء.. مع ضعف القوة، وقلة العدد، وفقر المال، كالاستعلاء مع القوة والكثرة والغنى على السواء. الاستعلاء الذي لا يتهاوى أمام قوة باغية، ولا عرف اجتماعي ولا تشريع باطل، ولا وضع مقبول عند الناس ولا سند له من الإيمان. وليست حالة التماسك والثبات في الجهاد إلا حالة واحدة من حالات الاستعلاء التي يشملها هذا التوجيه الإلهي العظيم.(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران
الدعاء