خطبة حول معنى قوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )
أغسطس 1, 2020خطبة عن فتنة النساء وحديث (مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ)
أغسطس 8, 2020الخطبة الأولى : حرمة النظر للأجنبية ( لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه وحسنه : (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ قَالَ : « يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي الشريف ، والذي يحذرنا فيه صلى الله عليه وسلم من النظر إلى النساء الأجنبيات ، ففي هذا الحديث : يقول صلى الله عليه وسلم : « يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ». فقوله صلى الله عليه وسلم 🙁 لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ) ، أي : لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى (فَإِنَّ لَكَ الأُولَى ) أي : النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد (وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ) أي : النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك” . وبهذا يتبيّن لنا أنّ تعمّد النّظر إلى المرأة الأجنبية ،وكذلك الاستمرار في النّظر بعد نظرة الفجأة حرام ، لا يجوز في أيّ موضع من جسمها ،سواء كانت جميلة في نظرك أم لا ، وسواء أدّى ذلك إلى إثارة الشّهوة ، أو صحبه تخيل ، أو تلذذ ، أم لا ،قال الله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (30) ،(31) النور، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ » ، فغض البصر من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم ، لأن البصر هو بوابةَ الغزو الخارجي إلى القلْب، ؛وهو البابُ الأكبر إلى القلْب، وهو أعمر طُرق الحواس إليه، ولذلك كَثُر السُّقوط من جهته، وعلاج ذلك أن يصرفَ المسلمُ بصرَه عمَّا حُرِّم عليه، ولا ينظر إلَّا لما أبيح النظر إليه، وفي مسند أحمد : (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ». أما النظرة المعفو عنها فهي نظرة الفجأة ،وهي أن يقع نظرك على امرأة دون قصد منك بشرط أن تصرف بصرك، ولا تنظر إليها ثانية، فإن واصلت النظر إليها ،أو صرفته ثم أعدته مرة ثانية ،فقد وقعت في الحرام، كما جاء في صحيح مسلم (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى ). ولم يفهم أحد من العلماء، ولم يقل أحد من العقلاء ،إن المراد من هذا الحديث جواز استدامة النظرة الأولى ،والتمعن في المنظور أو قصدها. قال النووي عند شرحه لهذا الحديث: ومعنى الفجأة أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد ،فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث، فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصرف بصره
أيها المسلمون
وعدم غض البصر عن النساء الأجنبيات له مخاطر عظيمة ، وهو سبب لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب هذا النظر من عابد، وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين، وكم وقع بسببه أناس في الزنى والفاحشة والعياذ بالله. فالعين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة ،فلما كان إطلاق البصر سببا لوقوع الهوى في القلب أمر الشارع بغض البصر عما يخاف عواقبه، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه ا لأربعة أحرز دينه، وهي : اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر ، أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : حرمة النظر للأجنبية ( لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولغض البصر عن المحرمات الاجنبيات فوائد كثيرة ومتعددة ، فمن فوائد غض البصر : أولا : فيه تخليص القلْب من ألَمِ الحسْرة، فإنَّ مَن أطلق نظرَه دامت حسرتُه، ثانيا : أن غض البصر يُورِث القلب نورًا وإشراقًا يظهر في العَين وفي الوجه، كما أنَّ إطلاق البصر يُورثه ظلمةً تظهر في الجوارح؛ ولهذا كما قال ابن القيم – رحمه الله -: “ذكر الله – سبحانه آية النور في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35]،عُقَيب قوله: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]،وجاء الحديث مطابقًا لهذا حتى كأنَّه مشتق منها، وهو قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه جل و عز إيمانا يجد حلاوته في قلبه) رواه الحاكم في المستدرك ،ثالثا : أنَّه يُورث صحةَ الفراسة، فإنَّها من النور وثمراته، وإذا استنار القلب صحَّت فراستُه؛ لأنَّه يصير بمنزلة المرآة المصقولة تظهر فيها الصورة ،رابعا : غض البصر : يفتح طرقَ العِلم وأبوابه، وييسِّر أسبابه، وذلك بسبب نور القلب، فإنَّه إذا سطع نورُه ظهرتْ فيه حقائقُ المعلومات، وانكشفت له بسرعة، ومَن أرسل بصرَه تكدَّر عليه قلبه، وأظلم وانسدَّ عليه بابُ العِلم وطرقه. خامسا : غض البصر : يورث القلب سرورًا وفرحًا، وانشراحًا أعظم من اللَّذة في إطلاق البصر، حتى قال بعضهم: “والله لَلذَّةُ العِفَّة أعظمُ من لذَّة الذنب”، والدنيا فيها جنَّة مَن لم يدخلها، لم يدخل جَنَّة الآخرة، وغض البصر سببٌ من جملة أسباب دخول جنَّة الدنيا. سادسا : أنَّه يخلِّص القلب مِن أسْر الشهوة؛ لأنَّ الأسير هو أسيرُ شهوته وهواه، ومتى أَسرت الشهوةُ والهوى القلبَ، تمكَّن منه أعداؤه، وأذاقوه سوءَ العذاب. سابعا : غض البصر : يسدُّ عنه بابًا من أبواب جهنَّم؛ فإنَّ النظر بابُ الشهوة الحاملة على مواقعة الفِعل. ثامنا : غض البصر : يُخلِّص القلْب من سَكرة الشَّهوة، ورقدة الغَفلة، فإنَّ إطلاق البصر يوجب استحكامَ الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العِشق؛
الدعاء