خطبة حول معنى قوله تعالى ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً )
أغسطس 22, 2020خطبة عن زيارة القبور ، وحديث ( نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا )
أغسطس 22, 2020الخطبة الأولى ( أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ : مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « وَجَبَتْ » . ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ : « وَجَبَتْ » . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ « هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ » ، وفي رواية مسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ». قَالَ عُمَرُ فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّي مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِىَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ ».
إخوة الإسلام
إن ثناء الناس على العبد بِالخَير ، لهو من علامات التوفيق ، ومن المبشِّرات العاجلة، فحُسْن الثناء هو من جملة الآثار الحسَنة ،التي تبْقى للمرء بعد مماته ، فالكثير من الأعلام والعُظماء ، قد غُيِّبوا تحت الثَّرى، ولكن ما غاب ذِكرهم، وما مُحِي أثرهم، بل إنَّ ذكْرَهم بعد مَماتهم ،أكثر من ذِكر كثيرٍ من الأحياء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث المتقدمة ، أن الناس شهداء الله في أرضه، وقد جعل الله لكلِّ شيء سببًا، فمن اتبع مرضاةَ ربِّه وعمل عملاً صالِحًا، فهنيئًا له الذِّكر الجميل ، وسيشهد له العباد بالخير في دنياه وآخرته. فالشهادة بالخير هي لِمن كان في دنياه من عُمَّار المساجد، المذكورين بالصَّلاح والإصلاح. والشهادة بالخير هي لمن رحل عن هذه الدار بعد أن أسَّس بيتًا من التَّقوى، وخلف وراءه أثرًا له؛ من صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. والشهادة بالخير مستحَقَّة لأناس مؤمنين، سَنُّوا في الإسلام سُنَّة حسنة، فكان لَهم أجرها، وأجْرُ من عمل بِها إلى يوم القيامة. والشَّهادة بالخير تُزَفُّ لِمن نشأ في طاعة الله، وتربَّى في بيوت الله، مع كتاب الله؛ حفظًا وتلاوة وتدبُّرًا، وعملا . والشهادة بالخير يستحِقُّها مَن خالَق الناس بخُلق حسن، فعاش سعيدًا، ومات حميدًا. والشهادة بالخير يُبشر بها من كان عفيفَ اللِّسان، سمْحَ النفس، دمث المعاملة، باذلاً للخير، سبَّاقًا إلى المعروف، مفتاحا للخير ، مغلاقا للشر . والشهادة بالخير يسعد بها من وصل الأرحام، وأطاب الكلام، وأطعم الطَّعام، وصلَّى بالليل والناس نيام. والمشهود لهم بالخير: هم الذين عملوا في دنياهم بأوامر الله، وعلى نورٍ من الله، يرجون ثواب الله، واتَّقوا محارم الله، ويخشون عقاب الله، فإذا كنت من هذا الصِّنف، فاستمسك بما أنت عليه، وأبشرْ بثناءٍ يَبقى لك بعد موتك ، وعلامة طيبة على حسن الخاتمة ، والقبول عند الله تعالى. وفي مُحكم التنْزيل سأل نبي الله إبراهيمُ الخليل ( عليه السلام ) أن يَبقى ذِكْرُه متردِّدًا عبْر كلِّ جيل، فنادى ربَّه قائلا : ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84]، فأجاب الله تعالى سؤْله ، وأعطاه ما طلب ،فقال الله تعالى : ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [الصافات: 108]، قال جمهور المفسرين: “وتركنا ثناء حسنًا عليه” ثم عمَّم فضل الله على خليله، فكان له الذِّكر الطيِّب، ولذرِّيته معه؛ إسحاق ويعقوب، قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 50]، قال القرطبي: “أيْ: أثنينا عليهم ثناء حسنًا”؛
أيها المسلمون
قال النووي: وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تُحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة، فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء، ومن المعلوم أن الذِّكر الحسن في الدنيا ليس بكثرة المُكْث فيها، وإنَّما بقدْر الأثر من الأعمال الصالحة فيها، فلقد عاش في هذه الدار رجالاتٌ ماتوا ،وهم في زَهرة شبابِهم، ولكنْ بقي ذِكْرُهم أزمانًا ودهورًا إلى يومنا هذا، وقلِّب نظرك في مسارب التاريخ ترَ أسماءً لامعة، وأنجُمًا سامقة، أفلَتْ وغابت وهم في عنفوان أعمارهم وشبابِهم :فهذا الصحابي سعد بن معاذ – سيِّد الأوس – توُفِّي وعمره ثلاث وثلاثون سنةً، ولكنه رحل بعد أن قدَّم أعمالاً كثيرة جليلة للإسلام تُذْكر فتشكر.وهذا عمر بن عبدالعزيز، الإمام العادل الزَّاهد – توفِّي ولَما يبلغِ الأربعين.
أيها المسلمون
ومن علامات الشَّقاء والنكد والبلاء ، أن يذكر العبد بأخلاقه السيئة ، وأعماله القبيحة ، وأفعاله السوداء المظلمة، فتُلاحقه الشتائمُ والسباب في حياته وبعد مَماته، فالشرُّ والتَّشاؤم لا يفترقان عن اسمه ورسمه. فالذين يُثنَى عليهم الناس شرًّا : هم الذين غلبَتْ عليهم شقوتُهم، وأحاطت بهم خطيئتهم، وهم أصنافٌ شتَّى، تفرَّقت فعالهم، وتلوَّنت قبائحهم، ولكن جمعَتْهم خصلة واحدة؛ أنَّهم سبب كل بلاء، وشرارة كل مصيبة وبلية .فالثناء بالشر ينتظر كلَّ مستبِدٍّ وطاغية، ظلَم العباد، وأفسد البلاد، وللخزائن أباد.والشهادة بالشر، ستلاحق المُجرمين، الذين يعيثون في الأرض فسادًا؛ قتلاً للآمِنين، وترويعًا للمؤمنين. والشهادة بالسُّوء، متَّصلة لكلِّ صاحب سوء، يأمر بالمنكر ويَنهى عن المعروف، يشمئِزُّ إذا ذُكِر الله وحده، ويستبشر إذا ذُكِر الذين مِن دونه. والشهادة بالشر، ستطوِّق الذين ظَلموا أنفسهم، فانتهكوا حدود الله، وارتكبوا مَحارم الله. والشهادة بالشر، ستُكتب على دهاقنة الإفساد، الذين أَمطروا الأمَّة بوابلٍ من المناظر الشَّهوانية، والعفونات الفكريَّة . وهي لأولئك المستهترين المستَخفين، الذين جعلوا مشروعَهم النَّيلَ من ثوابت الأمَّة ، والتعدِّيَ على أحكام الشرع والشريعة . وهي لأولئك الذين كان هَمُّهم وهمَّتهم إفسادَ المرأة المسْلِمة، والزجَّ بِها في مَجامع الرِّجال . وهي لأولئك الذين يريدون أن يَميلوا بالمؤمنين والمؤمنات ميلاً عظيمًا. فكم رحل من هذه الدار، مِن طاغية وجبَّار، وأشرار وفُجَّار، فشيَّعتْهم دعواتُ الناس عليهم، وراحةُ العباد منهم! ، قال الله تعالى عن مثل هؤلاء : ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ [الدخان: 29]، فالعبد الفاجر يستريح منه العبادُ والبلاد، والشجر والدوابُّ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولا يفهم من هذا الحديث الخوض في أعراض الأموات ، ولكن التصريح بذكر الأموات إذا كان القصد منه بيان الواقع للإنسان ، لاسيما من يُخشى منه الضرر ، فهذا يُتكلم فيه بما يستحقه؛ لئلا يتعدى ضرره ومخالفته وبدعته إلى الناس، وإلا فالأصل النهي عن إبداء مساوئ الأموات، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ ». [ رواه أبو داود وغيره ]، فمَن يُخشى تعدي شرُّه وبدعتُه ،فلا مانع من تبيينه ،كما بيَّن العلماء أحوال الرواة جرحًا وتعديلًا، فمثل هذا من باب النصيحة، ولكن يتقي الله -جل وعلا- مَن يتصدى لهذا الأمر ويسأل نفسه: هل الحاجة داعية إلى مثل هذا الكلام؟ هل لا يسعه السكوت في مثل هذا؟ وإذا أمكن بيان الحكم متعلقًا بالوصف ،أغنى عن بيان الحكم المتعلق بالشخص، إنما تُذكر الأوصاف، وتُذم الأوصاف المذمومة من الشرع ،وتُمدح الأوصاف الممدوحة، ولا يُتعرض للأشخاص بأعيانهم ، إلا إذا لم يتم البيان إلا بذكر الشخص الذي يُخشى من ضرره المتعدي، فحينذٍ أهل العلم فعلوا ذلك، (فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا رَآهُ قَالَ :« بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » . فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ » [رواه البخاري ]، فالمقصود أنَّ لا يُتخذ هذا الحديث ذريعةً في سب الأموات ، ويُتوسع فيه ،ويُسترسل فيه، فيُقدح في مَن في قدحه مصلحة ومَن لا مصلحة مِن جراء قدحه، فلا شك أن أعراض المسلمين محفوظة، قال ابن دقيق العيد: (أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام)؛ لأنهم هم الذين يحتاجون في الغالب للكلام في الناس، فعليهم أن يحتاطوا لهذه الأعراض، فعلى كل حال ، فالغيبة محرمة، وأشدُّ منها النميمة، وأكل لحوم المسلمين لا شك أنه من عظائم الأمور ،ومن الكبائر التي جاء الوعيد عليها .
الدعاء