خطبة حول حديث ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ )
أغسطس 24, 2024خطبة عن (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)
أغسطس 29, 2024الخطبة الأولى (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)1
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في كتاب الله العزيز، قال نبي الله يوسف: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (37) يوسف، وقال تعالى لنبيه محمد: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (113) النساء، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (282) البقرة،
إخوة الإسلام
قال الله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (151) البقرة، فالله تبارك وتعالى أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل الوحيين: (الكتاب، والسنة المطهرة)، لنتعلم، ومن خلال تلاوتنا وتدبرنا لبعض قصص القرآن الكريم، تعلمنا منها الكثير، فقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف:111).
ومن خلال مدارستنا لقصة (مريم ابنة عمران)، والتي يقول الله تعالى فيها: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (35): (37) آل عمران. إلى آخر الآيات
فمما علمنا ربنا من قصة مريم: أن مريم وابنها عيسى (عليه السلام) آية من آيات الله تعالى، الدالَّة على قدرته العظيمة، فقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون:50]، وأن مريم من أفضل نساء العالمين، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ». وفي الصحيحين: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»، وأن مريم من أفضل نساء أهل الجنة، ففي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ».
وعلمني ربي: أن مريم نذر مقبول، فامرأة عمران (عليها السلام) أحاطت النية الصادقة، بدعاء خالص، أن يتقبّل الله منها، فتقبّل الله دعاءها في مولودتها، قال الله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) [آل عمران:37]، ومن قصة مريم تعلمنا: أهمية النذر والطاعة لله تعالى، وألا نقنط من رحمة الله، وأن نلجأ إليه سبحانه في السراء والضراء. وعلمنا ربنا في هذه القصة: أن الدعاء للذرية أساس التربية، ومفتاح الصلاح والإصلاح، وإن الابتلاء سنّة الحياة، وأن الرضا برزق الله من الذرية طريق السعادة، فيـجب على المسلم أن يرضى بما رزقه الله تعالى به من الذرية، ذكرًا كان أم أنثى؛ فإن الرزاق هو الله؛ وأن الذرية نعمة كبيرة من الله تعالى، روى البخاري في الأدب المفرد عن كثير بن عبيد قال: (كانت عائشة رضي الله عنها، إذا وُلِدَ فيهم مولود – يعني: في أهلها – لا تسأل: غلامًا ولا جاريةً؟ تقول: خُلِق سويًّا؟ فإذا قيل: نعم، قالت: الحمد لله رب العالمين) .
ومما علمنا ربنا في قصة مريم: أن الإنسان يبلغ به الحال أحياناً مرحلة العجز، حتى في الدفاع عن نفسه، فإن علم أن الله وليّه وهو كافيه، كفاه شرّ كل ذي شرّ، ودفع عنه بأس كل ذي بأس، ففي أوج المواقف العصيبة، والمحن، يأتي الفرج ويمتد اللطف، قال تعالى: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ) مريم:24،25، وتعلمنا من قصة مريم: أن الصمت في بعض الأحيان أبلغ من الكلام، وأن السكوت أولى من النطق، وكراهة مجادلة السفهاء، ومن كان مع الله لا يحزن، ومن حفظه الله فلا يقلق، ومن أقبل على الله قرّت عينه، ومن عاش في رحاب الدين حماه الله، وضمن له السلامة وهناء العيش، فلا ترهق نفسك بالتفكير، فالله عنده حسن التدبير، ولا تحمل همّ المستقبل، فالأمر كله بيد الله”.
ومن قصة مريم تعلمنا: الصبر، والعفة، والطاعة، وحمل المسؤولية، وتعلمنا كيفية مواجهة الصدمات النفسية، والمحافظة على القوة، وعدم الاستسلام للضعف، قال تعالى لمريم: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم:25]. ومما علمنا ربنا في قصة مريم: أهمية العزلة المؤقتة، والصبر على البلاء والمصيبة، والخروج من دائرة الحزن، قال تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ [مريم:24]. وتعلمنا تذكُّر نعم الله تعالى، وأنها لا تعدُّ ولا تحصى، قال تعالى: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم:24]. وأن الله تعالى تكفَّل بأرزاق جميع المخلوقات: قال الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات:22،23]. وأن الله تعالى يرزق المخلوقات الضعيفة بلا سبب، قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [العنكبوت:60]. وتعلمنا: أن الله تعالى أحكم خلق هذا الكون، بقوانينه التي يخضع لها، وجعل من آياته الباهرة لمن يتدبّر ويتفكّر الخروقات المذهلة لهذه القوانين، مثل: قانون الخلق من زوجين، أو صنفين متقابلين لكلّ المخلوقات، قال تعالى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات:49)، أمّا آدم فخلقه بلا أمّ ولا أبّ، وحّواء بلا أمّ، ثم خلق سيدنا عيسى (عليه السلام) بلا أبّ، كما قال تعالى: {قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران:47). فيجب أن يحرص المؤمن على حسن الظن بالله عزّ وجلّ وطلب الصلاح والتوفيق منه، مثلما فعلت الأم الصالحة في قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (آل عمران:35)
ومما علمنا ربنا في قصة مريم: أن الابتلاءات من الله عزّ وجلّ، ويجب الصبر والاسترجاع عند وقوعها، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (*) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (*) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157). ويجب أن نعلم: أنّ الابتلاء من الله عزّ وجلّ للإنسان على قدر إيمانه، كما في الحديث الشريف: (فيُبتلى الرَّجلُ على حسْبِ دينِه)، وكذلك كان ابتلاء مريم ابنة عمران (عليها السلام) عظيمًا مجاراة لعظمة إيمانها بالله سبحانه وتعالى، وتسليم أمرها له، فالمؤمن يستسلم لله عزّ وجلّ فلا ينبغي له الاستسلام لليأس، ولا للحزن، كما تحثّنا القصة على التوكّل على الله تعالى وحده، بعد الأخذ بالأسباب، والاستعانة بالصبر والصلاة على مكاره الدنيا، فنجد فيها الراحة من كل تعب، والطمأنينة من كلّ خوف، فالدنيا كلّها ابتلاء، وعلينا التحلّي باليقين بأنّ الله سبحانه سيسهّل الأمور بعد الشدّة، والعسر يأتي بعده اليسر.
ومما علمنا ربنا في قصة مريم: أنه كما للرجل اعتكاف، يهرع إليه ليخلو بنفسه، ويناجي ربه، كذا للمرأة خلوات، تعبد الله وتدعوه، وتطهر نفسها وعقلها من الدنيا وانشغالاتها، وتعلمنا: أن الدعاء سهم صائب رابح، سيبلغ الهدف ولو بعد حين، فمريم كانت ثمرة لدعاء أمها، حين قالت: (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، حين قالت: (وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). وعلى الآباء ألا يدعوا على أولادهم، وأن يدعوا لهم، فصلاحهم سرور، وضلالهم تعاسة وشقاء، وعلمتني قصة مريم: أن العقول تتربى بالتفكر، وأن القلوب تصلحها العبادة، قال لله تعالى: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ). وتعلمت من قصة مريم: أن الواقع قد يأتي من رحم المستحيل، وأن هناك أموراً لو لم يقصها الرب لنا، لما قبلتها عقولنا، ولا استوعبتها أفكارنا، (ولد يولد بلا أب؟)، (ويتكلم في المهد؟)، إنها قدرة الله العظيم!!.
ومن قصة مريم تعلمت: أن الإنسان يظل إنساناً، مهما بلغ في المنزلة والعبادة، فمريم تمنت الموت حينما تعرضت للابتلاء، فمخطئ من يعتقد أن الإيمان يجعل البشر ملائكة، لا يخطئون ،ويخطئ من يطالب البشر أن يكونوا فوق بشريتهم، وعلمني ربي من قصة مريم: أن أصحاب العقول السليمة يرفضون الفواحش، ويمقتون الكبائر، فقوم مريم استغربوا عليها الفاحشة، وعلمتني قصة مريم: أن الفرج يأتي بعد الشدة، فمهما أسدل الليل عليك همومه، ستشرق الشمس، فمريم كانت في هَمّ عظيم، وستصبح مُعرضة لكلام الناس، ولكن الأمور سارت على ما يرام في النهاية، فخلد الله ذكرها في العالمين، ومما علمنا ربنا في قصة مريم: عدم التشكيك في أن الله واحد لا شريك له، وأن الله عز وجل لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)1
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن مريم ابنة عمران (رضي الله عنها) موصوفة بأوصاف أهل الإيمان، فهي مؤمنة كاملة الإيمان والتوحيد والطاعة لله، والمسلمون أولى بها، وأنها وابنها عيسى (عليه السلام) بريئان من الشرك، ومن النصارى الذين يعبدونهما من دون الله، وأن عيسى سيعلن تلك البراءة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) المائدة/ 116، وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة/ 73، وروى البخاري ومسلم: (عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ)، وروى أحمد وصححه الألباني: (أن النجاشي أرسل إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه (رضي الله عنهم) الذين هاجروا إلى الحبشة، يسألهم عن المسيح عليه السلام: ما يقولون فيه؟، قالت أم سلمة رضي الله عنها: فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ ـ وَاللَّهِ ـ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا؛ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ .فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: (نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ). قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ). ذلك مما علمني ربي في قصة مريم.
الدعاء