خطبة عن ( دلائل الخوف والخشية من الله)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن (من مظاهر وصور رحمة الرسول)
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى ( من أخلاق الرسول الخوف والخشية من الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد علي ه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال تعالي (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران 175 ،وقال سبحانه (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) المائدة 44 ،وقال تعالى :(أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة 13 ،وقال تعالى ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر 28 ،وفي صحيح ابن حبان (فقال له رسول الله والله إني أتقاكم لله واخشاكم له ) ،وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ».
إخوة الإسلام
الخوف من الله والخشية منه منزلة عظيمة ، ولا تكون إلا للمؤمنين ، وبها يصدع المؤمن بالحق ويأمر بالمعروف ، وينهي عن المنكر ،وقد عرف العلماء الخوف بتعاريف عدة فقالوا : .الخوف : توقع مكروه علي أمارة مظنونة أو معلومة. ويضاده الأمن ،ويستعمل في الأمور الدنيوية والأخروية ،وقيل : الخوف هو توقع العقوبة علي مجاري الأنفاس ، وقيل الخوف : هرب القلب من حلول مكروه عند استشعاره ،والخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه ، وقيل : هو سراج في القلب. به يبصر ما فيه من الخير والشر ،أما الخشية فهي : خوف يشوبه تعظيم ، وقيل خوف مقرون بإجلال ، وهناك فرق بين الخوف والخشية ، فإن الخشية أخص من الخوف فالخشية للعلماء ،قال تعالى : (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فاطر 28 ،وقول النبي صلي الله عليه وسلم : (إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية ) ،
وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله في مدارج السالكين :(الخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء والعارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلي قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية )
أيها المسلمون
ومن مظاهر الخوف والخشية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .ما رواه الإمام مسلم في صحيحه :(عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ – قَالَتْ – وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ قَالَتْ فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) » .ويراه بعض الصحابة مهموما فيسألونه في ذلك فيقول كما في سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ». فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهُمْ « قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا »..وينزل عليه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فيجده صلى الله عليه وسلم يبكي خوفا علي أمته ففي صحيح مسلم :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ 🙁 رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّى) الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِي ». وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ – فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ).. ويخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يشيع جنازة فيجلس علي شفير القبر ويبكي حتي ابتل الثري من كثرة البكاء ثم توجه إليهم كما في سنن ابن ماجه (عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى جِنَازَةٍ فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ثُمَّ قَالَ « يَا إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا ». ولما كسفت الشمس علي عهده صلي الله عليه وسلم فقام للصلاة فأطال سجوده وركوعه ، ففي سنن النسائي ومسند أحمد واللفظ له : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ – قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ فِي السُّجُودِ نَحْوَ ذَلِكَ – وَجَعَلَ يَبْكِى فِي سُجُودِهِ وَيَنْفُخُ وَيَقُولُ « رَبِّ لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا أَسْتَغْفِرُكَ رَبِّ لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا فِيهِمْ ». فَلَمَّا صَلَّى قَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ مَدَدْتُ يَدِى لَتَنَاوَلْتُ مِنْ قُطُوفِهَا وَعُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ فَجَعَلْتُ أَنْفُخُ خَشْيَةَ أَنْ يَغْشَاكُمْ حَرُّهَا وَرَأَيْتُ فِيهَا سَارِقَ بَدَنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَرَأَيْتُ فِيهَا أَخَا بَنِى دَعْدَعٍ سَارِقَ الْحَجِيجِ فَإِذَا فُطِنَ لَهُ قَالَ هَذَا عَمَلُ الْمِحْجَنِ وَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ حِمْيَرِيَّةُ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ وَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فَإِذَا انْكَسَفَ أَحَدُهُمَا – أَوْ قَالَ فُعِلَ بِأَحَدِهِمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ – فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ». قَالَ أَبِى قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ « لِمَ تُعَذِّبُنَا وَأَنَا فِيهِمْ لِمَ تُعَذِّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُكَ »
الخطبة الثانية ( من أخلاق الرسول الخوف والخشية من الله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد علي ه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد يكون الخوف والخشية مقرونتين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير البكاء من خشية الله تعالى، ومن أمثلة ذلك ما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ، قَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اقْرَأْ عَلَىَّ » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ « نَعَمْ » . فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا ) قَالَ « حَسْبُكَ الآنَ » . فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ) ، وفي سنن أبي داود : (عَنْ ثَابِتٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى وَفِى صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ -صلى الله عليه وسلم-. ) ،وفي صحيح ابن حبان : ( عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صلي مع النبي صلي الله عليه وسلم فما مر بآية فيها رحمة إلا وقف عندها ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ وإذا مر بآية فيها تنزيه سبح). وفي سنن الترمذي :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ. قَالَ « شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلاَتُ وَ (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) وَ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَأْ عَلَىَّ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ « إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى ». فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا) قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تَهْمِلاَنِ)
وفي سننه (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ ». لَوَدِدْتُ أَنِّى كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ. )
أيها المسلمون
هذه هو خلق الخوف والخشية من الله عند رسولنا صلى الله عليه وسلم ، ألا فكونوا من المتخلقين بأخلاقه ، والسائرين على دربه ، والمقتفين أثره، ولكن ، ماهي دلائل الخوف من الله ؟ ودلائل عدم الخوف من الله ؟ ذلك هو موضوع لقائنا القادم إن شاء الله
الدعاء