خطبة عن ( من صور ظلم الحاكم لرعيته)
فبراير 14, 2016خطبة ( عواقب الظلم ومضاره وأنواعه)
فبراير 14, 2016الخطبة الأولى ( من أبشع صوره الظلم: ظلم الراعي لرعيته)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه : ( عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِى قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِى ثُمَّ قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا ». إخوة الإسلام
من أبشع صوره الظلم: ظلم الراعي لرعيته ،فإذا جار الحاكم والراعي وظلم؛ فإنه يُشجِّع الناسَ على الظلم.. وإذا آذى الناس وعذَّبَهم؛ فقد أفسدهم، أخرج أبو داود عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ“، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا. وفي رواية عند البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الكبير أن معاوية رضي الله عنه قال: إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلامًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: “أَعْرِضُوا عَنِ النَّاسِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ تُفْسِدُهُمْ؟“. وفي هذا السياق أيضًا أخرج أبو داود عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ وَأَبِي أُمَامَةَ عَنِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ“. فحين يكون الحاكمُ ظالمًا يتتبع السقطات والعورات.. يتتبع الناسَ ليوقعهم في الشر.. يتصنت عليهم ليوقعَهم في البلاء.. يلتمس معايبَهم ليملأ بهم السجون، فإنه يفسد الدنيا.. إنما من واجب الحاكم أن يرسيَ العدلَ وأن يؤمِّن الناس، وأن يعيشَ الناسُ في ظله آمنين. فسيدنا معاوية.. هذا الخليفة المبارك.. كان قائمًا على المنبر يخطب، فقام أحد المسلمين من التابعين، وكان اسمه أبو مسلم الخَوْلاني ، فقال: يا معاوية، قال: نعم. قال: يا معاوية، إنما أنت قبرٌ من القبور (أي غايتك في النهاية أنك ستصير في قبرٍ ولن تخلد في هذه الدنيا)، إن جئتَ بشيءٍ كان لك شيءٌ، وإن لم تجئ بشيءٍ لم يكن لك شيءٌ (يعني لم يكن لك في هذا القبر إلا ما قدمت)، يا معاوية: لا تحسبنَّ الخلافة جمعَ المال وتفريقَه، إنما الخلافةُ: القولُ بالحق والعملُ بالْمَعْدَلة، يا معاوية: إنا لا نبالي بكدَر الأنهار ما صَفَتْ لنا رأسُ عيننا، وأنت رأسُ عيننا. أي: يا معاوية العدل ينبع منك، فإذا كنتَ أنت عادلاً، فلا يهمنا أن يكون هنا مسئولٌ يظلم أو هناك مسئولٌ يظلم؛ لأننا نعلم أن عدل الإمام العادل سوف يمحو هذه المظالم، أما لو كان المسئولون من حولك عدولاً وأنت الظالم، فسوف يتحولون جميعًا إلى ظلمة. إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص ، ثم يقول له هذا الرجل الصالح: يا معاوية إياكَ أن تحيف على قبيلة من القبائل فيذهب حَيْفُك بعدلك (أي يذهب الظلم بالعدل) والسلام. فقال معاوية: يرحمك الله (قَبِل النصيحة مع أنها قُدِّمت له في محضرٍ من الملأ.. قَبِل النصيحة لأنه يعلم أن الاستقرار في أمةِ محمدٍ بالعمل بهذه النصيحة). وهكذا كان الصالحون وكان الناصحون، كانوا يعلمون أن الظلم إذا كان من الإمام الحاكم، كان أشد فتكًا وأعظم ضررًا، وهذا من أعظم صور الظلم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أبشع صوره الظلم: ظلم الراعي لرعيته)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن ظلم الحاكم لرعيته شيوع المحسوبية والوساطة والرشاوى: فحينما يوضع الإنسان في غير مكانه لأنه قريب من فلان، وحين تُبْعَد الكفاءات من أماكنها ويُوَسَّد الأمرُ لغير أهله؛ لأن هذه الكفاءات ليست على هوى فلان، وليست على رغبةِ فلان، حين تنعدم الشورى ويضيع الحق، ولا يكون الرجل المُناسب في المكان المناسب؛ فهذا من أعظم الظلم، أخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ ». فحين يكون بإمكانِك أو من سلطاتِك توظيفُ شخصٍ ما أو أشخاصٍ ما، فتوظف مَنْ تهواه نفسُك أو يميل إليه قلبُك أو مَنْ يدفع لك الرشوةَ على حساب الحق فقد خُنْتَ اللهَ ورسولَه والمؤمنين، والأمةُ إذا شاع فيها هذا الجو، فإنها تعيش في حالة من الحقد والحسد، والمظالم التي تدمر الأمم، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (188 البقرة)، ونواصل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء