خطبة عن الهجرة الى الله (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي)
فبراير 18, 2017خطبة عن (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
فبراير 19, 2017الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ .. فَاعْفُ عَنّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ
« قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ».. وفي سنن ابن ماجة وصححه الألباني : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو قَالَ « تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ».
إخوة الإسلام
قال ابن الجوزي في لطائف المعارف: (العفو من أسماء الله تعالى، وهو الذي يتجاوز عن سيئات عباده ، والماحي لآثارهم عنهم. وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته ) ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ : « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ». فالعفوُ: هو المتجاوز عن سيئات عباده، وهو سبحانه وتعالى عفو قدير، يعني يعفو مع المقدرة ، وليس كبني آدم ،إذا عجز عن الشيء سامح، إنما يعفو مع القدرة جل وعلا، وهذا هو كمال العفو، وهو سبحانه وتعالى يحب العافين عن الناس، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، وهو سبحانه يحب الذين يأخذون من الناس العفو، بل أمر بذلك فقال: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف (199). وقال العلماء: معنى العفو يعني خذ ما عفي من الناس، يعني ما سهل منه ،خذه ولا تشد الحبل، فخذ العفو واترك ما وراء ذلك، وهذا من آداب القرآن أن الإنسان يكون واسع الصدر لبني آدم يأخذ العفو، وقد جاء في حديث رواه البزار : ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَامَ فِينَا أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَقِيَامِي فِيكُمُ الْيَوْمَ ، فَقَالَ : إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ ، فَسَلُوهُمَا اللَّهَ ). وكما أن الله تعالى يعفو عن السيئات ، فيحب الله تعالى من عباده العفو والمسامحة فيما بينهم، قال الله عز وجل: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران : 134]، وقوله تعالى: (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) [النساء : 149]،
وجاء في التفسير الميسر: (نَدَب الله تعالى إلى العفو, ومهَّد له ،بأنَّ المؤمن: إمَّا أن يُظهر الخير, وإمَّا أن يُخفيه,
وكذلك مع الإساءة: إما أن يظهرها في حال الانتصاف من المسيء, وإما أن يعفو ويصفح, والعفوُ أفضلُ; فإن من صفاته تعالى العفو عن عباده مع قدرته عليهم)، وقال تعالى: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى : 40].
أيها المسلمون
قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} الحج (60)، فهو سبحانه الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً . وكل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه. وقد وعد سبحانه بالمغفرة والعفو ، لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } طه (82). والعفوُّ هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة، عن عباده ويعفو عن السيئات،
وهو عفو يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه . ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع غفر له جميع جرمه صغيره وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها قال الله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر (53)، وفي الحديث القدسي (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ».رواه الترمذي واحمد ، وقال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } النجم 32، وقد فتح الله عز وجل الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة ، والاستغفار، والإيمان ، والعمل الصالح ، والإحسان إلى عباد الله ، والعفو عنهم ، وقوة الطمع في فضل الله ، وحسن الظن بالله وغير ذلك مما جعله الله مقرباً لمغفرته
أيها المسلمون
وفي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء , دون غيره في هذه الليلة المباركة ، يدل دلالة واضحة على أهميته، فالعفو هو سؤال اللَّه عز وجل التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه. وقال القرطبي رحمه اللَّه تعالى: ((العفو، عفو اللَّه عز وجل عن خلقه، وقد يكون بعد العقوبة وقبلها، بخلاف الغفران، فإنه لا يكون معه عقوبة البتة) وقوله : ((تحب العفو)) أي أن اللَّه تعالى يحب أسماءه وصفاته، ويحب من عبيده أن يتعبَّدوه بها، والعمل بمقتضاها وبمضامينها [ويحب اللَّه تعالى العفوَ من عباده بعضهم عن بعض فيما يحب اللَّه العفو فيه]. وهذا المطلب في غاية الأهمية، وذلك أن الذنوب إذا تُرِكَ العقاب عليها يأمن العبد من استنزال اللَّه تعالى عليه المكاره والشدائد، حيث إن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب في إنزال المصائب، وإزالة النعم في الدنيا، أما الآخرة فإن العفو يترتب عليه حسن الجزاء في دخول النعيم المقيم. ولا يخفى في تقديم التوسل باسمين كريمين للَّه تعالى قبل سؤاله له أهميّة جليلة في إعطاء المرجوّ منه تعالى. وفي قوله ( عفو تحب العفو ) استشعار لحسن الظن بالله تعالى ، فيعمر قلب المؤمن بالرجاء وفي إلحاح العبد بهذا الدعاء إظهار لافتقار العبد لربه و تذلـله بين يديه ، وتعلقه بمرضاته سبحانه وتعالى .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ .. فَاعْفُ عَنّا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هناك من يعامله الله تبارك وتعالى بالمغفرة، وهناك من يعامله الله بمنزلة أعظم.. بالعفو، فهو الغفور ، وهو العفو.. فالمغفرة أنك إذا فعلت ذنباً فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجود!
أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكب الخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ.. والعفو لا يذكرك بسيئاتك لأنه محا، أما الغفور فقد يذكرك بسيئاتك ثم لا يعاقبك، وفي الصحيحين (قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ « يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ . قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ ) . فلاحظوا أن الذنوب موجودة في الصحيفة – فيقول: نعم يا رب، فيظن العبد أنه هالك، فيقول له الله: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم) هذه هي المغفرة، ولكن بالعفُوّ تصبح الصفحة بيضاء وكأن صاحبها نقيّ منذ وُلِد إلى أن مات. لذا لما سمع المذنبون بعفوه طمعوا، وكان بعض المتقدمين يقول في دعائه: اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلت عن الصفة، وإنها صغيرة في جنب عفوك فاعف عني.
وقال آخر منهم: جرمي عظيم وعفوك كثير فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم. وقال آخر : يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر أكبر الأوزار في جنب عفو الله يصغر ، ومن قصص السابقين ما جاء عن أبي عمرو بن أبي جعفر قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل كثيرًا ما يقول في مجلسه، وفي غير المجلس: عفوك. ثم يقول: عفوك يا عفو عفوك ، في المحيا عفوك، وفي القيامة عفوك، وفي مناقشة الحساب عفوك. قال أبو عمرو: فرئي أبو عثمان في المنام بعد وفاته بأيام فقيل له: ماذا انتفعت من أعمالك؟ قال: بقولي: عفوك عفوك
أيها المسلمون
واسم الله العفو – جاء في القرآن خمس مرات ، مرة مقترن باسم الله القادر “…إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) (النساء:149)، ، وفي هذا ملمح بليغ ، فقد يعفو عنك إنسان ، لأنه غير قادر عليك، ولكن الله سبحانه قدير، قادر عليك، ومع قدرته عليك عفا عنك. وجاء مقترنا باسم الله الغفور”…إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ” (النساء:43)، ” فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ” (النساء:99) وفي هذا أيضا ملمح آخر وهو : كأن الله تعالى يقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلة الأعلى ، وهي العفو.. فهناك ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفواً دون سؤال منهم. والله تعالى لا يحب شيئاً إلا وفيه الخير لنا، فهو عفوّ يحب العفو ولذلك فهذه الصفة لابد أن تأتي بالخير على من يتحلى بها. والله تعالى أعطى عباده الأمل بالعفو عن الذنوب: واختم بقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى: 25].
الدعاء