خطية عن (مرض العجب)
أكتوبر 2, 2019خطبة عن: الوصية (ومن وصايا الرسول)
أكتوبر 5, 2019الخطبة الأولى ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (103) يوسف
إخوة الإسلام
القرآن الكريم : هو كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه، ولقد دعا الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى :(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (103) يوسف ، قال ابن كثير في تفسيرها : يقرر الله تعالى أنه صلى الله عليه وسلم رسوله ، وأنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق ،مما فيه عبرة للناس ،ونجاة لهم في دينهم ودنياهم; ومع هذا ما آمن أكثر الناس; ولهذا قال الله تعالى : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ، وقال الله تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [ الأنعام : 116 ] ، وقال أبو جعفر( الطبري ) : يقول جل ثناؤه: وما أكثر مشركي قومك، يا محمد، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك , ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك، بمصدِّقيك ولا مُتَّبِعيك . وجاء في زاد الميسر: قال ابن الأنباري: إن قريشا واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإخوته ،فشرحها شرحا شافيا ، وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم ، فخالفوا ظنه، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعزاه الله تعالى بهذه الآية. وقال الزجاج ومعناها : وما أكثر الناس بمؤمنين ،ولو حرصت على أن تهديهم ،لأنَّك لا تهدي مَنْ أحببت لكنَّ الله يهدي مَنْ يشاء. وفي تفسير البغوي “معالم التنزيل”: روي أَنَّ الْيَهُودَ وَقُرَيْشًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ عَلَى مُوَافَقَةِ التَّوْرَاةِ لَمْ يُسْلِمُوا، فَحَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يؤمنون ولو حرصت على إيمانهم. وقال ابن السعدى : يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ } على إيمانهم { بِمُؤْمِنِينَ } فإن مداركهم ومقاصدهم قد أصبحت فاسدة، فلا ينفعهم حرص الناصحين عليهم ، ولو عدمت الموانع، بأن كانوا يعلمونهم ويدعونهم إلى ما فيه الخير لهم، ودفع الشر عنهم، من غير أجر ولا عوض، ولو أقاموا لهم من الشواهد والآيات الدالات على صدقهم ما أقاموا. وفي الوسيط لطنطاوي :أي : لقد جئت – أيها الرسول – للناس بدين الفطرة ، الذى ترتاح له النفوس وتتقبله القلوب بسرور وانشراح . ولكن أكثر الناس قد استحوذ عليهم الشيطان ، فمسخ نفوسهم وقلوبهم ، فصاروا مع حرصك على إيمانهم ، ومع حرصك على دعوتهم إلى الحق على بصيرة ، لا يؤمنون بك ، ولا يستجيبون لدعوتك ، لاستيلاء المطامع والشهوات والأحقاد على نفوسهم . وفى التعبير بقوله – سبحانه – ( وَمَآ أَكْثَرُ الناس) إشعار بأن هناك قلة من الناس قد استجابت بدون تردد لدعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فدخلت في الدين الحق ، عن طواعية واختيار . وقوله ( وَلَوْ حَرَصْتَ ) جملة معترضة لبيان أنه مهما بالغ النبي – صلى الله عليه وسلم – في كشف الحق ، فإنهم سادرون ، في ضلالهم وكفرهم ، إذ الحرص طلب الشيء باجتهاد .
أيها المسلمون
وقوله تعالى :(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (103) يوسف ، فهذه الآية الكريمة تقرر حقيقة شرعية، وسنة إلهية وهي : أن أهل الحق أقل من أهل الباطل، وأن الغالب على الناس الجحود والكفر، والقليل منهم من يهتدي للحق ويقوم به، قال الشاطبي: «وهذه سنة الله في الخلق; أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل؛ لقوله تعالى: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } ،وقوله تعالى: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ (13) ، ودلت هذه الآية أيضا : على أنه لا يستدل على الحق بكثرة أهله، ولا تدل قلة السالكين لأمر من الأمور أن يكون غير حق، بل الواقع بخلاف ذلك؛ فإن أهل الحق هم الأقلون عددا، الأعظمون -عند الله- قدرا وأجرا، بل الواجب أن يستدل على الحق والباطل، بالطرق الموصلة إليه»
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهذه الآية الكريمة ، تبين دور النبي صلى الله عليه وسلم والدعاة عموما؛ أن عليهم أن يبلغوا ،وأن يدعوا الناس بالحسنى، وبعد ذلك فالقلوب بيد الله، فهو وحده سبحانه وتعالى يتولى أمرها؛ فلا تذهب نفسك -يا محمد- عليهم حسرات، فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء. فهي حكمة الله تعالى في هذه الحياة، وما بعد هذه الحياة الدنيا، فقد خلقنا ربنا وأرشدنا وأقام علينا الحجة؛ فأرسل الرسل ،وأنزل الكتب، لنعبده وحده لا نشرك به شيئا، فهو وحده الرب الخالق المتصرف في خلقه، وهو وحده الإله المعبود المقصود، وهو وحده الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ولا يشبهه فيها أحد. فالغاية الرئيسة من وجودنا هي عبادته، ومن عبادته القيام بأمره ،والدعوة إلى صراطه المستقيم، والتزام كل ما شرع، وأن تكون الحياة كلها له سبحانه، يسعى العبد في إعمار الأرض وخلافتها بالطاعة، ويتنعم بما أعطاه الله للبشر، ويشكره على نعمه الكثيرة، ويصل إلى مستوى من الرقي في علاقاته. وفي النهاية كلنا راحل، فليترك أحدنا آثارا طيبة في هذه الحياة، وليعدّ لما بعد الموت عدته، وبذلك يفوز بالسعادة في الدارين. ونزلت سورة يوسف والنبي صلى الله عليه وسلم في أصعب الظروف؛ فقد ماتت زوجه خديجة رضي الله عنها، التي وقفت معه ،ورعته ،وأيدته ،وكانت أول من آمن به، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم يحفظ لها هذا حتى بعد وفاتها، وفقد عمه أبا طالب الذي حماه ودافع عنه، وحاول الرسول صلى الله عليه وسلم معه أن يسلم ، وهو على فراش الموت، ولكنه آثر أن يبقى على الشرك ، على دين عبد المطلب. وتألم النبي صلى الله عليه وسلم لحاله، كما كان يتألم عموما لقسوة القوم، وحبه أن يسلموا، ولكنها إرادة الله تعالى.ونزلت السورة وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعرض نفسه على القبائل، على الأقل ليحموه مما يحمون منه أنفسهم، ويتركوه ليبلغ رسالة ربه. وكان قد عاد من زيارته للطائف ومعه زيد بن حارثة رضي الله عنه. وكان رد أهل الطائف عنيفا؛ حين سفّهوه وأغروا صبيانهم ليؤذوه ويقذفوه بالحجارة، فأدموا قدميه ونكلوا به وبصاحبه. ففي هذه اللحظات الحرجة ، وتلك الأجواء المظلمة ، يكرم الله سبحانه رسوله بأمرين، الأول : إنزال سورة يوسف بما فيها من توجيهات عظيمة، والثاني : رحلة الإسراء والمعراج. فقصة يوسف ( عليه السلام ) نلخصها بعبارة واحدة “إن مع العسر يسرا”، فهذا نبي الله يوسف عليه السلام تعرض لكل أنواع المحن والفتن، ومن كان يظن أن هذا الصبي الصغير الذي ألقاه إخوته في البئر صغيرا سيبقى على قيد الحياة، فضلا عن أن يأتوا إليه يطلبون منه المساعدة، وهو الوزير صاحب الشأن العظيم؟! ، فلا تظنن نفسك يا محمد وحيدا على هذه الطريق، فقد سبقك إخوة لك في الرسالة والنبوة وصبروا، فاصبر كما صبروا، ولن يخلف الله وعده بنصرة أوليائه.
أما رحلة الإسراء والمعراج فكانت نقلة خارج قدرات البشر كلهم، آية عظيمة، هيأت النبي صلى الله عليه وسلم بمستوى هذه النقلة، وسبحان الله، ما هي إلا فترة بسيطة حتى كانت بيعة العقبة الأولى، ثم كان ما كان من أمر البيعة الثانية، ومن ثم الهجرة وتأسيس الدولة، وبداية الصراع العملي مع المشركين، والتمكين لهذا الدين، وبعدها انتشاره في الأرض. هو دين الله تعالى، يحاول أهل الباطل عبثا أن يوقفوه، وأن يطفئوا نوره، قال الله تعالى : “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” (التوبة، الآيتان 32 و33). فلا بد لهذا الدين أن ينتصر ولو بعد حين، ولا بد لأهله أن يكونوا على مستوى المسؤولية، ويرتفعوا إلى مستواها، فهو دين الله لا أهواؤهم وحظوظهم الخاصة، ولا يمكن لكل مدع بتبني دين الله أن ينصره الله إن كان في نفسه شيء من حظ النفس أو الرياء، فهذا الدين لا يحمله إلا الصادقون المخلصون، وبهم ينصر الله دينه وجنده. والحقيقة التي لا تغيب أبدا هي وجود طائفة من الناس كثيرة باقية على العناد والكفر، يحزننا أمرهم، ولكنها مشيئة الله، فالمطلوب أن نحسن المعاملة والتبليغ. وفي السورة نفسها ، وبعد آيات قليلة ، يقول الله تعالى : “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (يوسف:108). وهي رسالة لنا جميعا: الصدق والإخلاص والحكمة والفهم، واليقين به تعالى، فالأمر كله له سبحانه.
الدعاء