خطبة عن (جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا)
نوفمبر 6, 2022خطبة عن (صلاة النافلة )
نوفمبر 6, 2022الخطبة الأولى (حسن السمعة والسيرة)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام الترمذي في سننه بسند صحيح: (عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَمَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ وَجَبَتْ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ وَمَا وَجَبَتْ قَالَ أَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ لَهُ ثَلاَثَةٌ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». قَالَ قُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ «وَاثْنَانِ». قَالَ وَلَمْ نَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْوَاحِدِ.
إخوة الإسلام
من شهد له أهل الإيمان بالصلاح والتقوى أوجب الله تعالى له الجنة ،فهذه الشهادة إنما كانت بناء على علمهم بعمله الصالح وسمعته الحسنة ،وسيرته الطيبة ،التي كان يعرف بها في حياته، لذا فمن الواجب على المؤمن أن يجتهد في البعد عن الشر ، وارتكاب المعاصي والموبقات، وأن يجتهد في الأعمال الصالحات، وأن يتَّخلق بالأخلاق الحسنة ،حتى يشهد له إخوانه في حياته وبعد مماته بالإيمان والتقوى، فإخوانه من المؤمنين المتقين هم شهداء الله في الأرض، ولذا كان من دعاء نبي الله إبراهيم (عليه السلام): ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآَخِرِينَ ﴾ [الشعراء: 84] أي: أجعل لي ثناء حسنا، وذكرا جميلا، وقبولا عاما في الأمم التي تجيء من بعدي، فهو يدعو ربه أن يجعل له سمعة طيبة وسيرة حسنه يذكره بها أهل الإيمان من بعد موته ،فالسيرة الحسنة كشجرة الزيتون لا تنمو سريعًا ، ولكنها تعيش طويلاً، والسيرة الحسنة هي رأس مال المسلم الذي يعيش به بين الناس، ويظل يبنيها بأخلاقه وسلوكه الطيب ، ومعاملاته الصادقة، والسيرة الحسنة هي الميراث الحقيقي الذي يخلفه المرء من بعده، وله ولأولاده وذريته ،وهي ثروة أعظم من كل كنوز الدنيا، فمن ربحها فقد ربح الخير كله ،وهي شهادة ستبقى في صحائفه، والسمعة الحسنة والسيرة الطيبة هي من الدلائل والبشريات على حسن العمل، وحسن الخاتمة، إذ لا يجتمع الناس على حسن سمعة وسيرة أحد، إلا ويكون هو كذلك. قَالَ أحد الصالحين: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُودًا فِي الْأَحْرَارِ، مَذْكُورًا عِنْدَ الْأَبْرَارِ، فَلْيُخْلِصْ عِبَادَةَ رَبِّهِ الغفار». ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحبة السيرة الطيبة التي لا ينكرها حتى الأعداء، فمع ما كانت تفعله قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها لم تنكر عليه سمعته الحسنة، وسيرته الطيبة بينها، فهو الذي جعل سادة قريش يحتكمون إليه في نقل الحجر الأسود، عندما اختصمت القبائل على شرف حمله. وها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تذكره صلى الله عليه وسلم بسيرته الطيبة، وسمعته الحسنة، فتقول له كما في الصحيحين: (أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) ،وقد حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه على الحفاظ على السمعة الحسنة، والسيرة الطيبة، فقال لهم حين أشار بعضُهم بقتل أحد المنافقين، قال: «دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»، وذلك حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على سمعة الدعوة ،وسمعة الدين، الذي أشرقت بنوره مشارق الأرض ومغاربها، وأيضا في قصة زوجته أم المؤمنين صفية رضي الله عنها شاهد على ذلك ،ففي صحيح البخاري: (أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ ، فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ ، فَقَامَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مَعَهَا يَقْلِبُهَا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ » . فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ . وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (حسن السمعة)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالسمعة الحسنة ،والذِّكْر الطيب، والسيرة الطيبة هي رأس مال المسلم، وهي عُمره الثاني، يبنيه في حياته القصيرة؛ ليكون عمره المديد لسان الصدق في الآخِرين ، فهي نعمة من الله عظيمة، ومِنَّة من المولى كبيرةٌ، والسمعة الحسنة والسيرة الطيبة يختصُّ الله بها مَنْ يشاء من عباده، ممَّن آمَنوا، وصدَقوا، وأخلَصوا، وبذَلوا، ونفَعُوا الخلق ونشروا الإحسانَ في العالَمينَ ، وهي نعمة يضعها الله للعبد في نفوس الناس ،ويُجرِيها على ألسنة الخَلْق ، والسمعة الحسنة والذِّكْرُ الطيبُ معيارٌ من معايير القِيَم والأخلاق، يَرجِع إليها الناسُ، ويَزِنُونَ بها أقدارَ الأفراد. فالإنسان يحيا حين يحيا بين الناس بأمرين اثنين هما غاية في الأهمية، وهما : دينِه، وحسنِ سيرته بين الناس، فالأول لا بد منه ، والثاني أمر مطلوب شرعاً؛ لأن السمعة الحسنة والاسم الحسن والسلوك المنضبط بضوابط الشريعة وأعراف الناس من صلب هدي الإسلام .فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، وأن يحترز لسمعته، وأن يحفظ كرامته، ويكرم اسمه، ويحذر أن يلطخه بأية شائبة؛ حتى يحيا بين الناس كريماً؛ فالعاقل من تكون له سمعة طيبة، وينتشر له بين الناس ذكر حسن، ويبذل نفسه مخلصاً لله -تعالى- ليسجل له عند مولاه في صحائفه وموازين حسناته خلق حسن، وذكر طيب يثقل موازينه، ويرجح حسناته، ويذكر به بعد مماته. كما يحرص العاقل ويجتهد مبتعداً عن السوء والذكر السيئ والأخلاق السيئة، التي ترديه حيّاً بين الناس ،وميتاً عند الله تعالى، وفي الصحيحين قَالَ صلى الله عليه وسلم :« يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ».
الدعاء