خطبة عن (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ)
أبريل 28, 2024خطبة عن (السَّكِينَةُ)
أبريل 29, 2024الخطبة الأولى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة (3)
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع مقطع من آية من كتاب الله، نتلوها، ونتدبر معانيها، ونرتشف من رحيقها المختوم، فقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، أي: بالنَّصرِ والإظهارِ على الأديانِ كلِّها، {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، أي: بالهدايةِ والتَّوفيقِ، وإكمالِ الدِّينِ، وبفتْحِ مكَّةَ، وهدْمِ مَناراتِ الجاهليَّةِ؛ فهذه الآية آيةٌ عظيمةٌ، جَديرةٌ بأنْ يُحتَفَلَ بيومِ نُزولِها، ففي صحيح البخاري ومسلم: (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا). قَالَ عُمَرُ قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ)، وقال ابن عباس: (فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عيد، ويوم جمعة).
وفي هذه الآية الكريمة أخبر الله نبيه ﷺ والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الدين والإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا. والله سبحانه وتعالى لم يزل يصرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه، درجة بعد درجة، ومرتبة بعد مرتبة، وحالا بعد حال، حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه، وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه، وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل من وجوه: منها: أن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام بعد فرض الحج قبل ذلك، ولا أحد منهم، فكمل بذلك دينهم، لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ومنها: أن الله تعالى أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام، ونفى الشرك وأهله، فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد، فنزلت هذه الآية على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو واقف بعرفة حين وقف موقف إبراهيم، واضمحل الشرك، وهدمت منار الجاهلية، ولم يطف بالبيت عريان، وقال قتادة وغيره: (إنه لم ينزل بعدها تحليل ولا تحريم)، وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة، فلا تتم النعمة بدونها، كما قال الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) (1): (3) الفتح،
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة (3)، فالله تعالى لا يقبل من عباده غير الإسلام دينا؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران:19]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:153]، وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَجِيءُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَجِيءُ الصَّلاَةُ فَتَقُولُ يَا رَبِّ أَنَا الصَّلاَةُ. فَيَقُولُ إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ يَا رَبِّ أَنَا الصَّدَقَةُ. فَيَقُولُ إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ أَيْ يَا رَبِّ أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الإِسْلاَمُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَأَنَا الإِسْلاَمُ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِى). وفي سنن الترمذي: (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ قَالَ «وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ». وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ». وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا ثُمَّ قَالَ «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ – ثُمَّ قَالَ – هَذِهِ سُبُلٌ – قَالَ يَزِيدُ – مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ». ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الأنعام:153، وفي الصحيحين: (عن سَهْل بْنُ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ « لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ». قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا – قَالَ – فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ «أَيْنَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ». فَقَالُوا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ – قَالَ – فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأُتِىَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِىٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».
أيها المسلمون
فهذا الدين الإسلامي: هو نور في البصائر، وصلاح في الباطن والظاهر، وصدق مع الله، وصدق مع الناس، من ازداد به معرفة، ازداد له احتراما وتوقيرا وتعظيما، والكرم والعفاف من آثاره، والشجاعة والعزة من ثماره، وفيه رفعة في السجايا، وشرف في الاخلاق، وهذا الدين هو عقيدة صافية، وإيمان عميق، هدمت به منارات الإلحاد، وتلاشت معه معالم الوثنية، وهو عبادة قويمة، تنتفي معها البدع والخرافات، وتضمحل معها الكهانات والشعوذات، لا خير إلا وقد احتواه ودل عليه، ولا شر وإلا نفاه وحذر منه، هذا الدين: حفظت به الحقوق، ورسمت به الأحكام، قام على جلب المصالح، ودرء المفاسد، وشمل جميع جوانب الحياة، وأوضح حدود العلاقات بين الحاكم والمحكوم، ورسم قواعد الحرب والسلم، والعلاقات مع غير المسلمين، وأوضح أمور الفطرة وسننها، ودل على أسباب انهيار الأمم وفنائها، وفتح للعقول طرق الاعتبار في القصص والأخبار، وأبطل العصبيات والفوارق في الجنس واللون، ففي سنن الترمذي: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ »
وقد أجمع العلماء على أن رسالة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم رسالة عامة لجميع الثقلين، ومن لم يؤمن به، ويتبع ما جاء به، فهو من أهل النار، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ولما كان الدين الحق من عند الله ديناً واحداً وهو الإسلام، فلا بُدَّ أن يكون المنتسبون إلى هذا الدين الحق الواحد مسلمين، وأن يكونوا مع الدهر كله أمّة واحدة، تعبد ربّاً واحداً، وتدين بدين واحد، وهو الإسلام. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [ الأنبياء:92]. ربٌ واحد وهو الله سبحانه وتعالى، ودين واحد بعث به جميع الرسل والأنبياء، وأمة مسلمة واحدة على مر العصور، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [هود:116]، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ سَنَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً ثُمَّ يَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيَنْحَازَنَّ الإِيمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا يَحُوزُ السَّيْلُ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَيَأْرِزَنَّ الإِسْلاَمُ إِلَى مَا بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا»، وفي سنن ابن ماجه: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». قَالَ قِيلَ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ).
فهنيئًا لمن ثبت على هذا الدين الحق، في زمن غربة الإسلام، فكان به غريبًا؛ ونال درجات الغرباء، فالغُرباء في أول الزمان وآخره لهم منزلة عالية عند الله؛ لأنهم تمسكوا بدينهم، ولم ينزلقوا كما انزلق غيرهم رغَبًا أو رهبًا، وهو معنى “فطُوبَى للغُرَبَاء” أي العاقبة الطيبة لهم عند الله؛ لأنهم في شجاعتهم وقوتهم كالقابضين على الجَمر، وفي إصلاحهم ما أفسده الناس من الدين أبطال مغاوير في ميدان الجهاد، يعانون ويقاسون مُحْتَسبين أجرهم عند الله سبحانه، وهم يعلمون أن أعداء الدين متربصون يخشون عودة الإسلام مرة أخرى دولة قوية، فهم يحاربونه في كل مكان، وبكل سلاح، فلنتسلح بكل سلاح، دون جمود على الأساليب القديمة التي كانت تناسب عصرها، فلكل مقام مقال، ولكل ميدان سلاح، وذلك كلُّه في ظل الإيمان بالله القوي الذي لا يُغْلَب، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) (آل عمران:126)، وقال تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:249).
الدعاء