خطبة عن (كيف ننصر غزة؟)
أكتوبر 4, 2025خطبة عن (كيف يخرج المسلمون من حالة الاستضعاف)
أكتوبر 6, 2025الخطبة الأولى (فِقْهُ النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران:١٦٠].
إخوة الإسلام
هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ من كتاب الله العزيز تَضَعُ الْقَلْبَ فِي مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ، فَالنَّصْرُ وَالْهَزِيمَةُ لَيْسَا أَمْرَيْنِ يُقَاسَانِ بِقُوَّةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَحْدَهَا، وَلَكِنَّهُمَا خَاضِعَانِ لِسُنَنِ اللهِ الَّتِي جَعَلَهَا فِي الْأَرْضِ، وَأَوَّلُ هَذِهِ السُّنَنِ أَنَّ اللهَ هُوَ الْمَالِكُ لِلنَّصْرِ وَالْخِذْلَانِ، وَإِذَا نَظَرْنَا فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي تَارِيخِ الْأُمَمِ، رَأَيْنَا أَنَّ النَّصْرَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَالْإِمْكَانَاتِ، كَمَا وَقَعَ فِي بَدْرٍ؛ يَوْمَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، وَأَعْدَاؤُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران:١٢٣].
وَكَذَلِكَ الْهَزِيمَةُ يُمْكِنُ أَنْ تَأْتِي مَعَ كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَقُوَّةِ الْعُدَّةِ، كَمَا حَدَثَ فِي أُحُدٍ؛ يَوْمَ نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ مَيْدَانَ الْمَعْرَكَةِ وَهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَعْظَمُ عُدَّةً مِمَّا كَانُوا فِي بَدْرٍ، وَلَكِنْ لَمَّا خَالَفَ الرُّمَاةُ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَنَازَعُوا وَعَصَوْا، نَزَلَ الْبَلَاءُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٢].
ومِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لنا أَنَّ النَّصْرَ لَهُ شُرُوطٌ وَأَسْبَابٌ، وَأَنَّ الْهَزِيمَةَ لَهَا أَسْبَابٌ كَذَلِكَ، فَالنَّصْرُ يَأْتِي مَعَ الْإِيمَانِ وَالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ، وَالطَّاعَةِ وَالِاتِّبَاعِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥].
أَمَّا الْهَزِيمَةُ، فَتَأْتِي مَعَ الْمَعْصِيَةِ، وَحُبِّ الدُّنْيَا، وَالتَّفَرُّقِ وَالتَّنَازُعِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» [رواه أبو داود].
فَالنَّصْرُ أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، لَيْسَ حَقًّا مُطْلَقًا لِلْمُؤْمِنِينَ، بَلْ هُوَ وَعْدٌ مَشْرُوطٌ بِالنُّصْرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧]. وَالْهَزِيمَةُ لَيْسَتْ نِهَايَةَ الْمَطَافِ، بَلْ هِيَ تَرْبِيَةٌ وَتَصْفِيَةٌ، وَتَمْحِيصٌ لِلصُّفُوفِ، وَتَمْيِيزٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ وَالْمُنَافِقِ الْمُدَّعِي. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
وَلَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَوَاقِفَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ النَّصْرِ وَالِابْتِلَاءِ دَائِمَةٌ، فَقَالَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
إن فِقْه النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ يَتطْلُبُ مِنَّا أَنْ نَسْتَعْلِمَ دَوَائِمَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا عِنْدَ الْهَزَائِمِ، فَنُصْلِحَ الْقَلْبَ وَالْعَمَلَ، وَلَا نُلْقِيَ بِالتَّبِعَةِ عَلَى الْأَعْدَاءِ فَقَطْ، بَلْ نَبْحَثُ فِي ذُنُوبِنَا وَتَقْصِيرِنَا، وَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَالنَّصْرُ مَوْعُودٌ لَنَا مِنْ رَبِّنَا، وَالْهَزَائِمُ لَنْ تَكُونَ إِلَّا مَطَايَا لِلتَّمْحِيصِ وَالْعَوْدَةِ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ
الخطبة الثانية (فِقْهُ النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:٤٠]. فهَذِهِ الْآيَةُ الكريمة من كتاب الله العزيز تُؤَكِّدُ أَنَّ النَّصْرَ مَوْعُودٌ، وَلَكِنَّهُ مَوْعُودٌ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطِهِ، فَمَنْ نَصَرَ دِينَ اللهِ نَصَرَهُ اللهُ، وَمَنْ تَخَلَّى عَنْ دِينِهِ، وَغَرِقَ فِي مَعَاصِيهِ وَتَفَرَّقَتْ كَلِمَتُهُ، فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْهَزِيمَةِ وَالذُّلِّ، وإِنَّ مِنْ سُنَنِ اللهِ الثَّابِتَةِ أَنَّ الْهَزِيمَةَ لَيْسَتْ نِهَايَةً، بَلْ هِيَ مَرَاحِلُ فِي طَرِيقِ النَّصْرِ وَالْعِزَّةِ، فَفِي بَدْرٍ كَانَ النَّصْرُ بَعْدَ صَبْرٍ وَضَرَّاءَ، وَفِي أُحُدٍ كَانَتِ الْهَزِيمَةُ تَمْحِيصًا وَتَأْدِيبًا، وَفِي الْخَنْدَقِ كَانَ الْحِصَارُ وَالضِّيقُ، ثُمَّ جَاءَ الْفَتْحُ الْمُبِينُ بَعْدَ ذَلِكَ، فيَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ النَّصْرَ لَا يُقَاسُ بِيَوْمٍ وَلَا مَعْرَكَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هُوَ مَسَارٌ طَوِيلٌ تَتَخَلَّلُهُ الِابْتِلَاءَاتُ وَالْمِحَنُ وَالتَّضْحِيَاتُ. قَدْ يَتَأَخَّرُ النَّصْرُ، وَلَكِنَّهُ آتٍ لَا مَحَالَةَ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة:٢١٤].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
لَيْسَ الْمَطْلُوبُ مِنَّا أَنْ نَنْتَظِرَ النَّصْرَ مُجَرَّدَ انْتِظَارٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ أَنْ نُعِدَّ لَهُ أَسْبَابَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال:٦٠]. فَالْإِعْدَادُ بِكُلِّ صُوَرِهِ – إِيمَانِيًّا وَعِلْمِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا وَمَادِّيًّا – هُوَ مِنْ شُرُوطِ النَّصْرِ.
وإِنَّ أَعْدَاءَنَا قَدْ يَمْلِكُونَ الْقُوَّةَ وَالسِّلَاحَ وَالْعَدَدَ، وَلَكِنَّهُمْ يَفْتَقِرُونَ إِلَى رُوحِ الْإِيمَانِ، وَإِلَى قُوَّةِ الْقَلْبِ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِذَا اتَّصَلَ بِرَبِّهِ وَثَبَتَ عَلَى دِينِهِ فَهُوَ يَمْلِكُ قُوَّةً لَا تَغْلِبُهَا قُوَّةٌ. قَالَ تَعَالَى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:٢٤٩]. وإِنَّ مَا نُعَانِيهِ الْيَوْمَ مِنْ ضَعْفٍ وَتَفَرُّقٍ، وَمَا نَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ هَزَائِمَ فِي مَيَادِينٍ شَتَّى، إِنَّمَا هُوَ دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِ اللهِ لَنَا، لِنَعُودَ إِلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَلِنَجْعَلَ دِينَنَا مِحْوَرَ حَيَاتِنَا، وَنَنْبُذَ فُرُوقَنَا وَخِلَافَاتِنَا، وَنُصْلِحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَصِلْ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فِي صُبْحٍ وَمَسَاءٍ، بَلْ مَرَّ بِسِنِينَ طِوَالٍ مِنَ الِاسْتِضْعَافِ وَالِابْتِلَاءِ، حَتَّى صَارَ النَّصْرُ الْعَظِيمُ بَعْدَ تَمْحِيصٍ وَتَرْبِيَةٍ وَتَضْحِيَاتٍ، وَهَكَذَا الْأُمَّةُ الْيَوْمَ؛ لَا يَكُونُ نَصْرُهَا إِلَّا بِالْعَوْدَةِ إِلَى رَبِّهَا وَصِدْقِ إِيمَانِهَا وَتَصْحِيحِ مَسَارِهَا.
إِنَّ الْعِزَّةَ وَالنَّصْرَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَأْتِيَا وَنَحْنُ غَافِلُونَ، بَلْ هِيَ ثَمَرَةُ صَبْرٍ وَطَاعَةٍ وَتَضْحِيَةٍ وَوَحْدَةٍ وَإِعْدَادٍ. وَمَتَى صَدَقْنَا مَعَ رَبِّنَا تَحَقَّقَ فِينَا وَعْدُهُ الْحَقُّ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:٤٧].
الدعاء