خطبة عن (آيات ودروس وعبر من غزوة أحد)
يوليو 17, 2016خطبة عن (آيات ومواقف ودروس من غزوة الخندق(الاحزاب)
يوليو 18, 2016الخطبة الأولى ( غزوة أحد – الأسباب والنتائج )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:121-122]. ويقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] ،وقال الله تعالى : ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
إخوة الإسلام
لم تهدأ ثائرة قريش بعد هزيمتهم المنكرة في غزوة بدر ، وما خلّفه ذلك من مقتل خيرة فرسانها ، وجرحٍ لكرامتها ، وزعزعة لمكانتها بين القبائل ، فأجمعت أمرها على الانتقام لقتلاها ، وألهب مشاعرها الرغبة الجامحة في القضاء على الإسلام وتقويض دولته . ولم يكن ذلك الدافع الوحيد لاستعادة هيبتها ، إذ كانت تجارة قريش قد تأثّرت بشدّة من الضربات المتكرّرة التي نفّذتها سرايا المؤمنين ، وما قامت به من التعرّض للقوافل التجارية من أجل قطع الإمدادات والمؤن التي كانت تأتيهم من الشام وما حولها ، فكان لذلك أثره في إنهاك قريش وإضعافها . لهذا وذاك ، قام أبو سفيان في قومه يؤلّب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويجمع القوّات ، حتى بلغ لديه قرابة ثلاثة ألف رجل ومائتي فارس ، من قريش وما حولها من القبائل العربية ، ثم أمر أبو سفيان الجيش بأخذ النساء والعبيد ، حتى يستميت الناس في الدفاع عن أعراضهم ، وانطلقوا ميمّمين وجوههم شطر المدينة . وهنا أحسّ العباس بن عبدالمطّلب بخطورة الموقف – وكان يومئذٍ مشركاً – فبعث برسالة عاجلةٍ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخبره فيها بخبر القوم ، ويبيّن له إمكانات الجيش وقدراته الحربية ، لكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أراد الاستيثاق مما ورد في هذه الرسالة ، فأرسل الحُباب بن المنذر بن جموح رضي الله عنه ليستطلع الخبر ، فعاد إليه مؤكّدا ما ورد في الرسالة . واجتمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأصحابه ، وشاورهم في الخروج من المدينة للقاء العدو ، أو البقاء فيها والتحصّن بداخلها ، فاختار بعضهم البقاء في المدينة ، ومال النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هذا الرأي ، بناءً على أن جموع قريش لن تقوى على القتال بين الأزقة والطرقات ، ويمكن للنساء والأبناء المشاركة في الدفاع عن المدينة من شرفات البيوت وأسطحها ، كما أنّ التحصّن فيها سيتيح فرصة استخدام أسلحةٍ لها أثرها في صفوف العدوّ كالحجارة ونحوها . بينما اختار الخروجَ إلى العدوّ الرجالُ المتحمّسون الذين حرموا من شهود يوم بدر ، وتاقت نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله ، وطمعوا في نيل الشهادة ، فألحّوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يخرج لقتالهم ، وقالوا له : ” يا رسول الله ، كنّا نتمنّى هذا اليوم وندعو الله ، فقد ساقه إلينا وقرب المسير ، اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنّا عن لقائهم ” ، وأمام هذا الإلحاح لم يجد النبي – صلى الله عليه وسلم – بُدّاً من اختيار هذا الرأي ، فدخل بيته ولبس عدّة الحرب .ففي سنن البيهقي (عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ أُحُدٍ وَإِشَارَةَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْمُكْثِ فِى الْمَدِينَةِ وَأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ أَبَوْا إِلاَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْعَدُوِّ قَالَ وَلَوْ تَنَاهَوْا إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمْرِهِ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَلَكِنْ غَلَبَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ قَالَ وَعَامَّةُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخُرُوجِ رِجَالٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا وَقَدْ عَلِمُوا الَّذِى سَبَقَ لأَهْلِ بَدْرٍ مِنَ الْفَضِيلَةِ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الْجُمُعَةِ وَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالاِجْتِهَادِ ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَصَلاَتِهِ فَدَعَا بِلأْمَتِهِ فَلَبِسَهَا ثُمَّ أَذَّنَ فِى النَّاسِ بِالْخُرُوجِ فَلَمَّا أَبْصَرَ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِى الرَّأْىِ قَالُوا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَمْكُثَ بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْنَا الْعَدُوُّ قَاتَلْنَاهُمْ فِى الأَزِقَّةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِمَا يُرِيدُ وَيَأْتِيهِ الْوَحْىُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ أَشْخَصْنَاهُ فَقَالُوا : يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَنَمْكُثُ كَمَا أَمَرْتَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ يَنْبَغِى لِنَبِىٍّ إِذَا أَخَذَ لأْمَةَ الْحَرْبِ وَأَذَّنَ فِى النَّاسِ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْعَدُوِّ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَأَبَيْتُمْ إِلاَّ الْخُرُوجَ فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ وَانْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ ». فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ ) ،وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « رَأَيْتُ كَأَنِّى فِى دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَرَأَيْتُ بَقَراً مُنَحَّرَةً فَأَوَّلْتُ أَنَّ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ الْمَدِينَةُ وَأَنَّ الْبَقَرَ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ ». قَالَ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ « لَوْ أَنَّا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِيهَا قَاتَلْنَاهُمْ » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِيهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَكَيْفَ يُدْخَلُ عَلَيْنَا فِيهَا فِى الإِسْلاَمِ قَالَ عَفَّانُ فِى حَدِيثِهِ فَقَالَ « شَأْنَكُمْ إِذاً ». قَالَ فَلَبِسَ لأْمَتَهُ قَالَ فَقَالَتِ الأَنْصَارُ رَدَدْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأْيَهُ فَجَاءُوا فَقَالُوا يَا نَبِىَّ اللَّهِ شَأْنَكَ إِذاً. فَقَالَ « إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِىٍّ إِذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ »
أيها المسلمون
وفي ليلة الجمعة تأهّب الناس للخروج ، واستعدّوا للقتال ، وعيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – من يقوم بحراسة المدينة ، ثم تحرّك الجيش المكوّن من ألف رجل وسلكوا طريقاً مختصراً تمرّ بأرض رجل منافقٍ ضريرٍ يقال له “ربعيّ بن قيظيّ ” – وفي رواية ” مربع بن قيظيّ ” ، فلما أحسّ الرجل بالجيش جعل يحثو التراب في وجوههم ويقول : ” لا أحلّ لكم أن تدخلوا حائطي ” ، وذُكر أنه أخذ حفنةً من ترابٍ ثم قال : ” والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربتُ بها وجهك ” ، فتواثب القوم إليه ليقتلوه لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – نَهَرهم وقال : ( لا تقتلوه ؛ فهذا أعمى القلب أعمى البصر ) .واستمرّ الجيش في مسيره حتى بلغوا بستاناً يُقال له ” الشّوط ” ، عندها انسحب عبدالله بن أبي بن سلول بحركة ماكرة ومعه ثلث الجيش يريد أن يوهن من عزائم المسلمين ويفتّ في عضدهم ، ويوقع الفرقة في صفوفهم ، مبرّراً ذلك حيناً باستبعاده أن يحدث قتالٌ ، وحيناً باعتراضه على قرار القتال خارج المدينة ، وقائلاً : ” أطاعَ الولدانَ ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا ؟ ” ، ولقد حاول عبدالله بن حرام رضي الله عنه أن يثنيهم عن عزمهم ، وقال لهم : ” يا قوم ، أذكّركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيّكم عندما حضر عدوّهم ” ، فردّوا عليه : ( لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسْلمناكم ، ولكنّا لا نرى أن يكون قتالٌ )، وسجل القرآن هذه الأحداث في قوله تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } ( آل عمران 166 ،167) .وكاد هذا الموقف أن يؤثر على المؤمنين من بني سلمة وبني حارثة فيتبعوهم ، ولكن الله عصمهم بإيمانهم ، وأنزل فيهم قوله : { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } ( آل عمران : 122 ) .
أيها المسلمون
وفي يوم السبت وصل الجيش إلى جبل أحد وعسكر هناك ، واختار النبي – صلى الله عليه وسلم – أرض المعركة ، وقام بتقسيم أفراد الجيش إلى ثلاث كتائب : كتيبة المهاجرين بقيادة مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وكتيبة الأوس بقيادة أُسيد بن حضير رضي الله عنه ، وكتيبة الخزرج يحمل لواءها الحُباب بن المنذر رضي الله عنه ، وردّ النبي – صلى الله عليه وسلم – صغار السنّ ومنعهم من المشاركة ، ووضع فرقة من الرماة على الثغرة الوحيدة الموجودة في أرض المعركة، وأكد عليهم مرارا عدم التخلي عن مواقعهم مهما كانت الظروف.فقال لعبد الله بن جبير قائد الرماة: “انْضَحْ عَنَّا الْخَيْلَ بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَ مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ”.ثم قال للرماة: ” « إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ ، فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ » رواه البخاري.فكانت الأوامر في منتهى الوضوح لا تفتح بابا للاجتهاد عند الرماة، كلها تحمل معنى واحدًا، وهو الثبات الثبات فوق جبل الرماة.
أيها المسلمون
وبدأ القتال وكان يوم السبت الموافق السابع من شوال بعد غزوة بدر بعام تقريبا. وبدأ القتال في منتهى القوة والشراسة وأول ما بدء للقتال كان حول راية الكفار، وكما ذكرنا فراية الكفار كانت مع بني عبد الدار وكان أول من يحملها من بني عبد الدار طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان طلحة من أكبر وأعظم وأقوى فرسان قريش وكان يلقب بكبش الكتيبة وخرج ليطلب القتال وكان أول من طلب القتل من قريش وخرج وهو حامل الراية وعلى جمل وأحجم عنه المسلمون لما رأوا هيئته وقوة بأسه، وتقدم الزبير بن العوام الذي لم يكتف بقتاله بل قفز فوق جمل طلحة بن أبي طلحة وجذبه إلى الأرض وبرك فوقه وقتله، ولما رأى الزبير بن العوام يقتل كبش الكتيبة قال: “أَلَا إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ”.واشتد القتال بين الفريقين وتقدم عثمان بن أبي طلحة أخو طلحة بن أبي طلحة الذي قتله الزبير وطلب القتال وخرج له حمزة وقتله حمزة ثم خرج أخوهم الثالث أبو سعدة فقتله سعد بن أبي وقاص، وَقُتِل يومئذ عشرة من بني عبد الدار، وكلما قتل واحدًا منهم تسلم الراية رجلًا آخر لأنهم تعاهدوا مع أبي سفيان أن لا يتخلوا أبدًا عن الراية واحتدم القتال بين الفريقين وكان شعار المسلمين في هذا اليوم ( أَمِتْ أَمِتْ ) وكانت بداية قوية بالنسبة للمسلمين فقد سقط إحدى عشر قتيلًا من المشركين مقابل لا شيء من المسلمين فكان النصر في البداية حليف المسلمين وانهارت معنويات الكفار، وارتفعت معنويات المسلمين إلى أعلى درجة، وبدأ يسيطر المسلمون على الموقف وقاتلوا بقوة وبضراوة شديدة.وكان من أبرز المقاتلين في ذلك الوقت سيدنا أبو دجانة وحمزة بن عبد المطلب، ولقد فعلا الأفاعيل بجيش المشركين.وأبو دجانة هو الذي أخذ السيف من النبي لما قال : “مَنْ يَأْخُذ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ”. وربط على رأسه عصابة حمراء وقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت. وجال في الأرض وقتل كثيرا من المشركين. وكان في المشركين رجل يقتل كل جريح مسلم، فيقول الزبير: فدعوت الله أن يجمع بينه وبين أبي دجانة. مع أن الزبير من كبار الفارسين، فاجتمعا فضرب ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة، فاتقاه بدرقته أي بدرعه فعضت بسيفه، فضربه أبو دجانة فقتله. واخترق أبو دجانة صفوف المشركين حتى وصل إلى صفوف النساء، ورأى أبو دجانة كما يقول: رأيت إنسانًا يخمش الناس خمشًا شديدًا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف وَلْوَل فإذا هو امرأة وكانت هند بنت عتبة فأكرمت سيف رسول الله أن أضرب به امرأة. قاتل حمزة قتالًا شديدًا كقتال أبو دجانة، وقاتل قتالًا شديدًا في كل الميادين لم يقف أبدًا في وجهه أحد من المشركين، لكن وقف في ظهره وحشي بن حرب أحد الغلمان في جيش المشركين. ويحكي وحشي بن حرب قصته فيقول: فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها إليه فوقعت في ثنته (أي في أحشائه) حتى خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي فغُلب. وكان يريد قتل وحشي، ويقول وحشي: فتركته حتى مات، فأخذت حربتي فذهبت إلى العسكر فقعدت فيه ولم يكن لي بغيره حاجة وإنما قتلته لأعتق فلما قدمت مكة عتقت. وهكذا قاتل عامة المسلمين يومئذ قتالًا عظيمًا شديدًا قاتل أبو بكر وعمر وعلي والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن جحش وسعد بن معاذ كل المسلمين قاتلوا قتالًا شديدًا وأبلوا بلاءً حسنًا في ذلك اليوم.
أيها المسلمون
وكانت لخالد بن الوليد نظرة عسكرية ثاقبة وكان يومئذ مشركًا ورأى الثغرة التي يمكن له من خلالها أن يخترق جيش المسلمين والتف بفرقة كانت معه من فرسان المشركين حول جبل الرماة إلا أنه فوجئ بسيل من السهام من فوق الجبل من كتيبة الرماة التي وضعها النبي فوق الجبل فرَدّت خالد بن الوليد. وما استطاع خالد بن الوليد بحنكته وذكائه أن يتجاوز تلك الكتيبة ويخترق خلف الجيش المسلم. وبدأت الهزيمة تدب في جيش المشركين ثلاثة آلاف مشرك وكأنهم يقابلون ثلاثين ألف مسلم برغم قلة المسلمين. وبدأ المشركين يفكرون جديًا في الهرب وبدأوا يتراجعون إلى الوراء شيئًا فشيئًا ثم فروا قِبَل مكة تاركين النساء وراءهم حتى النساء هربن، ويقول الزبير بن العوام: لقد رأيت خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير. فكان نصرا للجيش المسلم لا يقل روعة عن نصر بدر، يقول تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} آل عمران:152 وتحسونهم أي: تستأصلونهم. والله تعالى قد وعد المؤمنين إن كانوا صادقين وصابرين ومتبعين للنبي أن يعطيهم النصر في أحد وفي غيرها. والرسول بشرهم بذلك قبل الخروج إلى أحد وإلى هذه اللحظة المسلمون ملتزمون بما قاله النبي بما كانوا عليه يوم بدر لذا تحقق النصر حتى هذه اللحظة. وبعد هذا الانتصار العظيم وبعد الهروب الكبير لجيش المشركين تخلى بعض المسلمين عن صفة واحدة من تلك الصفات العشر فتغير الموقف تمامًا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( غزوة أحد – الأسباب والنتائج )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فمع تقهقر قريش وفرارهم أوّل الأمر ظنّ الرماة انتهاء المعركة ، ورأوا ما خلّفته من غنائم كثيرة فتحركت نفوسهم طمعاً في نيل نصيبهم منها ، فتنادوا قائلين : ” الغنيمةَ أيها القوم ، الغنيمةَ ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ ” ،فقال أميرهم عبد الله بن جبير : ” أنسيتم ما قال لكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” ،فلم يلتفتوا إليه وقالوا : ” والله لنأتين الناس فلنصيبنّ من الغنيمة ” فغادروا أماكنهم متجهين صوب الوادي . ووجد خالد بن الوليد في ذلك فرصةً سانحة كي يدير دفّة المعركة لصالح المشركين ، وبالفعل انطلق مع مجموعة من الفرسان ليلتفّوا حول المسلمين ويحيطوا بهم من كلا الطرفين ، ففوجئ المسلمون بمحاصرتهم ، واستحرّ القتل فيهم ، وفرّ منهم من فرّ ، وتساقط الكثير منهم جرحى ، وفي هذه الأثناء انقطع الاتصال برسول الله – صلى الله عليه وسلم – .وكان في المشركين رجلٌ يُقال له ” ابن قمئة ” عَمِدَ إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه فأجهز عليه ، وشبه مصعباً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ، فجعل الرجل يصيح : ” قد قتلتُ محمداً ” ، وسرت هذه الإشاعة بين الناس سريعاً ، فتفرّق المسلمون ، وقعد بعضهم عن القتال وقد أذهلتهم المفاجأة ، في حين استطاع الآخرون أن يثوبوا إلى رشدهم ، ويطلبوا الموت على ما مات عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، منهم أنس بن النضر رضي الله عنه ، والذي لقي الله وفي جسده بضعٌ وثمانون ما بين ضربة سيفٍ ، أو طعنة رمح ، أو رمية سهم ، حتى إن أخته لم تتعرّف عليه إلا بعلامة كانت بإبهامه ، وأنزل الله فيه وفي أمثاله : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } ( الأحزاب : 23 ) .وبينما كان المسلمون في محنتهم تلك ، كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يواجه الموت ، فقد خلُص إليه المشركون فكسروا أنفه وسِنّه ، وشجّوا وجهه الشريف حتى سالت منه الدماء ، فجعل يمسح الدم عنه ففي الصحيحين :(عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِى رَأْسِهِ فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ « كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)
أيها المسلمون
وأدرك النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الأمور لن تعود إلى نصابها إلا بكسر هذا الطوق المحكم الذي ضربه المشركون ، فصعد إلى الجبل ومعه ثُلّة من خيرة أصحابه ، واستبسلوا في الدفاع عنه فخلّد التاريخ قتال أبي طلحة رضي الله عنه حتى شُلّت يمينه وأثخنته الجراح ، ووقفة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وهي ترمي بالقوس تدافع عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وتصدّي سعد بن أبي وقّاص للذود عنه ورميه للمشركين بالنبال ، وحماية أبي دجانة للنبي – صلى الله عليه وسلم – حيث جعل نفسه ترساً له عليه الصلاة والسلام حتى تكاثرت السهام على ظهره .ومضى النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن معه من أصحابه يشقّون الطريق نحو المشركين ، فأبصره كعب بن مالك رضي الله عنه فنادى بأعلى صوته : ” يا معشر المسلمين ، أبشروا فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” ، فأسكته النبي – صلى الله عليه وسلم – لئلا يتفطّن إليه المشركون ، لكن الخبر كان قد وصل إلى المسلمين ، فعاد إليهم صوابهم ، وارتفعت معنويّاتهم ، لتعود المعركة أشدّ ضراوة من قبل ، وأقبل أبي بن خلف على فرس له هاتفاً بأعلى صوته : ” أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا ” ، فهبّ إليه قومٌ ليقتلوه ، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – منعهم من ذلك ، ولما اقترب منه طعنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ترقوته ، فاحتقن الدم فيه ، وجعل يصيح ويقول : قتلني والله محمد ،فقال له المشركون : ما بك من بأس ، فقال : ” والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين ” ، فلم يلبث قليلاً حتى مات .وكان الأصيرم – عمرو بن أقيش- يأبى الإسلام ، فلما كان يوم أحد ، قذف الله الإسلام في قلبه ، فأسلم وأخذ سيفه ، فقاتل ، حتى أُثخن بالجراح ، ولم يعلم أحد بأمره ، فوجده قومه وبه رمق يسير ، فقالوا : والله إن هذا الأصيرم ، ثم سألوه : ما الذي جاء بك ؟ أنجدةً لقومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ ” ،فقال : ” بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ” ، ومات من وقته ، فذكروه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فشهد له بالجنة ، ولم يصل لله سجدة قط .
الدعاء