خطبة عن ( إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن ( إن الله لا يضيع أجر المصلحين)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )81 يونس ،وقال تعالى : (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (74) الأعراف ،وقال تعالى :(وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (183) الشعراء ،وقال تعالى : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) الأعراف 85
إخوة الإسلام
إنَّ الإفساد سعيٌ دَنِيء، وعملٌ رَدِيء، وخلقٌ وَضِيع يُنافِي الفطرة، ويُغضِب الرب، ويُفسِد الأجيال، ويُحطِّم الآمال، ويمهِّد الطريق إلى خزْي الدنيا وعَذاب الآخِرة؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33]، والإفسادُ في الأرض شِيمَة المجرِمين، وطبيعة المخرِّبين، وعمل المفسِدين، والفَساد في الأرض ضَياعٌ للأملاك، وضِيقٌ في الأرزاق، وسُقُوطٌ للأخلاق، إنَّه إخفاقٌ فوق إخفاق، يُحوِّل المجتمع إلى غابَةٍ يأكُل القوي فيه الضعيف، وينقضُّ الكبير على الصغير، وينتَقِم الغني منَ الفقير، فيزداد الغنيُّ غنًى، ويزداد الفقير فقرًا، ويَقوَى القويُّ على قوَّته، ويضعُف الضعيف على ضعفه! وصنَّاع الفَساد يسعَوْن ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهارًا، سفرًا ومقامًا، حلاًّ وترحالاً، لأجل نشْر فسادِهم، وبثِّ سمومهم، وتحقيق أغراضهم، يُعاوِنهم الشيطان، ويُمهِلهم الرحمن، يقهرون أنفسهم، ويُجهِدون عقولهم، ويقتُلون مشاعِرهم، ويَفقِدون إحساسَهم، ويُنفِقون أموالهم، ولكن هيهات هيهات ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]. والفساد هو الفساد في كل زمان ومكان ، وملة المفسدين وطبائعهم واحدة ، لا تختلف من زمان إلى زمان ولا من مكان إلى مكان ، وإن اختلفت وسائلهم في الإفساد ، ولكن الهدف واحد ، والغاية واحدة؛ صدٌّ عن سبيل الله، وتهميشٌ لدين الله، بل إقصاؤه عن واقع الحياة؛ قال تعالى :﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [النمل: 48]، نعم هم نفرٌ قليل، لكنَّه جُهد كبير، لا يُفسِدون في المدينة فحسب، بل إنهم ﴿ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾! إنَّه جرمُ الإفساد، فمِنْ تعظيم القرآن لخطر الإفساد في الأرض جَعَل الإفساد في منطقة معيَّنة هو في حقيقته إفسادٌ في جميع أرجاء الأرض، فماذا نقول لِمَن يُرِيد أنْ تَشِيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ وماذا نقول لمن يريد تَهْميش الشريعة وتعطيل الرسالة وسِيادةُ القانون الوضعي، وموالاة الكفار ومعاداة الأصدقاء، بل قتْل الشُّعوب، والحرب على العلماء، فالداعون إلى الفساد عددُهم قليل جدًّا، فهم رهطٌ قليل قد لا يتجاوَزون العدد في رهْط ثمود، نعم قد يكون لهم أتْباع وأذْناب وعملاء، ولكن المحرِّك الأساس عند ذلك الرهط الذين ﴿ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾، وقال تعالى : ﴿ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ… ﴾ [النمل: 49]، إنها مُؤامَراتٌ داخليَّة واتِّفاقات سريَّة، واجتِماعات دوريَّة، لماذا كلُّ هذا؟! ليتمَّ الإفساد بحسب ما يُخطِّطون، وبقدْر ما يستَطِيعون. وهم من بني جلدتنا، وَيَتَكَلَّمون بألسنتنا، ويتصدَّرون بأسمائنا، وينهبون تحت أسماعنا وأمام أبصارنا،
أيها المسلمون
ورهط اليوم أشدُّ حبًّا وشغفًا للأضواء، كيف؟! جرائد صفراء، وليالي حمراء، وشعارات جوفاء، ثم مُعاداةٌ لشريعة السماء، يُبيِّتون بليلٍ، ويمكرون بإخلاص، ويُخطِّطون بحقد، يقضون الليل في نقاشٍ وحوار، في تخطيطٍ وإصرار؛ لتدمير الإسلام وإبادة أهله، لهدِّ بنيانه، وإسقاط أركانه، ومحْو آثاره، وطمْس هويَّته، وسلْب مقدَّساته، فإنْ لم يستَطِيعوا القَضاءَ عليه مباشرةً فلا بأسَ بالتعامُل الحضاري؛ بالقتْل البطيء، بالموت الرحيم، فينظرون أيها أشد فتكًا، وأعظم هتكًا، فيبثُّون ما تحمله الرِّياح عبر الهواء والأثير، وما يكتب في المجلات والجرائد عبر المنافق والعميل. عجيبٌ أمرُ هؤلاء الذين اتَّفقوا منذ فجر التاريخ على إيذاء المؤمنين في أهليهم! إذًا ما يحدث اليوم من حصار ودمار، وفساد وإفساد وحرب مسعورةٍ على المُصلِحين وأهليهم، ما هو إلا صدًى لما تعرَّض له الأنبياء والصالحون في أهليهم؛ في قصَّة إبراهيم – عليه السَّلام – مع النمرود معلومة، ولوط وبناته، وموسى وأمه وأخته، وعيسى ووالدته، وكلُّنا يتذكَّر حادثة الإفك وما فيها من إيذاء، وهذا رهط ثمود يُخطِّطون لقتل أهله، وتدميرهم! حتى جاء رهط اليوم يُرِيدون أنْ يقتلوا المرأة؛ بضرْب عَفافِها، وطمْس هويَّتها، وقتْل حَيائِها، بدعوى التحرير، ودعوى الحريَّة! لكن رغم الضربات ورغم الحملات – بفضل الله ثم بجهد المصلحين على مختلف انتماءاتهم وأوطانهم – الحجاب ينتَشِر، والحياء يَترَعرَع، والمساجد تتَلألأ، والصحوة تتألَّق! شاهَت الوجوه وخابَت المَساعِي، كما شاهَتْ مَن قبلَها، وخابَتْ مَن سبقَتْها.
أيها المسلمون
أيُصلِح الله عملَ المفسدين؟! والإجابة ، هذا مستحيل ، فقد قال تعالى : ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [النمل: 51]، كيف يُصلِح الله عمل قومٍ تاجُروا في أقوات الشُّعوب فضيَّعوها عمدًا، وتحايَلُوا على أموال اليتامى فأكلوها ظلمًا؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، فإذا كان الناس لا تعرف هؤلاء المجرِمين المفسِدين فالله يعلَمهم؛ ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220]. أيُصلِح الله عملَ قومٍ أضمَرُوا الشرَّ وكرهوا الخير؟! أيُصلِح الله عملَ قومٍ أحبُّوا المعاصي وكرهوا الحسنات؟! أيُصلِح الله عملَ قومٍ أدمَنُوا الإفساد وحارَبُوا الإصلاح؟! أيُصلِح الله عملَ قومٍ لا يدعون الصدَّ عن سبيل الله، ولا ينفكُّون عن إيذاء العامِلين بمنهج الله، ويبغونها عِوَجًا في كلِّ مَيادِين الحياة؟! كلاَّ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81]، وقال تعالى : ﴿ وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 86]. أيُصلِح الله عملَ قومٍ يسعَوْن سعيًا حثيثًا نحوَ الدَّمار والخراب، فيُوقِدون الحروب، وينسجون الخطوب، ويفتنون الشعوب؛ ﴿ … كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]. وإنَّ نقص المكيال، وتَطفِيف الميزان، وبَخْس الناس حقوقَهم وأشياءَهم فسادٌ في الحياة، وإفسادٌ في الأرض؛ ﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85]. أيُصلِح الله عملَ قومٍ فعَلوا الفاحشة وقالوا: وجَدنا عليها آباءَنا والله أمَرَنا بها؟! كلاَّ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81]، وقال تعالى ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 28]، وإنَّ الله يَعلَم مَن المصلِح ومَن المفسِد، كيف؟! ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220]. إنَّ الذين يجحَدُون النعمةَ ويرفضون الدين كصلاحٍ للدنيا – ظلمًا وعلوًّا واستكبارًا – بعد يَقِينهم وتأكُّدهم من ذلك فاسِدُون أيضًا مُفسِدون؛ قال تعالى : ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والفساد في الأرض معنى كبير يدخل فيه: التلف والعطب، والاضطراب والخلل والجدب والقحط وإلحاق الضرر بالغير، وفي الشرع يدخل في الفساد: 1 : الشرك بالله تعالى وعبادة غيره. 2 : ويدخل فيه المعاصي والذنوب كما قال ابن القيم في معنى قوله تعالى: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } الأعراف 56، «قال أكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غيرطاعة الله بعد إصلاح الله لها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض في الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره ) ،ومن معاني الفساد في الأرض قتل الأنفس المعصومة، وإتلاف الأموال المحترمة، وقطع السبل الآمنة، ونشر الرعب والخوف بين الناس؛ كما قال تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة 33. والإفساد في الأرض من أبرز سمات اليهود كما قال عز وجل: { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (64)} المائدة . والإفساد في الأرض من هدي فرعون وشيعته كما قال عز وجل: { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (4) } القصص. وقد توعد الله المفسد ين في الأرض بالعقاب الأليم في الآخرة، فقال تبارك وتعالى: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ) (88) } النحل ، وقال جل في علاه: { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (25) } الرعد . ونهانا ربنا تبارك وتعالى عن متابعة المفسدين لما في ذلك من عصيان الرب عز وجل والتعرض لعقوبته الشديدة وتضييع مصالح العباد والتضييق عليهم بقطع السبل ومنع الخيرات والصد عن سبيل الله. فقال: { وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152) } الشعراء ؛ومدح الله تعالى أهل الصلاح والإصلاح، وبين أنهم لا يتساوون في ميزانه مع أهل الفساد والإفساد، فقال تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص28 ، وروى الترمذي في سننه بسند صحيح ( فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِى مِنْ سُنَّتِي ».
أيها المسلمون
فما واجبنا نحو المفسدين ؟ ، وما موقفنا منهم ؟ إنَّ المُفسِدين يجب أنْ يُعزَلوا، وأنْ يُقاطَعوا فلا يَمشِي معهم أحدٌ، ولا يتعاوَن معهم أحدٌ حتى ولو أُنفِقت في ذلك أموال، وبُذِلت من أجل ذلك جهود؛ قال تعالى : ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ [الكهف: 94]، هم ﴿ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ بالنهب والبغي عند خُرُوجهم إلينا، ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ أي جُعْلاً مِنَ المال ﴿ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾ حاجزًا فلا يصلوا إلينا! فماذا قال لهم ، قال تعالى : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) (95) ) الكهف ، فالأمَّة الآن في حاجةٍ إلى سَواعِد المُرابِطين، إلى فكر العاملين، إلى جهْد المجاهِدين، إلى إخلاص المخلِصين، أين أنتنَّ يا فتيات الأمَّة؟! ألاَ تنتبهن؟! أين أنتم يا شَباب الأمَّة؟! ألاَ تنهَضُوا؟! أين أنتم يا دُعاة الأمَّة ألاَ تستَفِيقوا؟! أين أنتم يا عُلَماء الأمَّة؟! ألاَ تنتَفِضوا؟! ،واعلموا أنَّ الدار الآخِرة بكلِّ ما فيها من ثمارٍ وأنهارٍ، ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطَر على قلب بشَر – إنما جُعِلت للذين لا يُرِيدون الفَساد، ولا يرغَبُون في استعلاء أو استكبار! قال تعالى : ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]،
الدعاء