خطبة عن (وسائل الإعلام ودورها في تضليل الشعوب وتحريف الحقائق)
ديسمبر 30, 2017خطبة عن الصحابي: (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ)
ديسمبر 30, 2017الخطبة الأولى ( الخيانة ) (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. وروى البخاري في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ » ،وفي سنن النسائي وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ ».
إخوة الإسلام
الخيانة خلق ذميم ، وصفة سيئة ، حذر منها الإسلام ، وتعوذ منها الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، والخيانة : عَكس الأمانة، وهي نقصان في الوَفاء، وتفريط الإنسان في حقوق الغير التي تحت يديه؛ ماديَّة كانت أو معنوية، أو تبديدها، أو إفشاؤها وإذاعتها.وقال الجاحظ: الخيانة هي الاستِبداد بما يؤتمَن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم ، فالخائن يؤتمن فلا ينصح . فالخيانة أمر مذموم في شريعة الله، تنكرها الفطرة، وتمجُّها الطبيعة السوية، والخيانة كلمة تجمع كل معاني السوء ، فهي نقض لكل ميثاق أو عقد بين إنسان وخالقه، أو إنسان وإنسان ،أو بين الفرد والجماعة. قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الأنفال:58]، وقال سبحانه: {وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52]، وقد قرن الله جل وعلا بين الخيانة والكفر في قوله جلّ وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38]. والخيانةَ كبيرة من كبائر الذنوب ؛ بدليل قول النَّبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم :(عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ ». ولهذا فقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم أن انتشار الخيانة وضياع الامانة من علامات فساد الزمان ، ومن أشراط الساعة ، فقد روى البخاري في صحيحه أن (عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ – قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا بَعْدَ قَرْنِهِ – ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ » ، وروى أحمد في مسنده :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ». قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ « السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ »
أيها المسلمون
والخيانة متى ظهرت في قوم فقد آذنت عليهم بالخراب، فلا يأمن أحد أحدًا، ويحذر كلُ أحد من الآخر، فلا يأمن الصديق صديقه، ولا الزوج زوجه، ولا الأب ولده، وينقطع المعروف فيما بين الناس مخافة الغدر والخيانة، ومن قصص العرب أن رجلاً كانت عنده فرس معروفة بأصالتها، فسمع به رجل فأراد أن يسرقها منه، واحتال لذلك بأن أظهر نفسه بمظهر المنقطع في الطريق عند مرور صاحب الفرس، فلما رآه نزل إليه وسقاه ثم حمله وأركبه فرسه، فلما تمكن منه أناخ بها جانبًا وقال له: “الفرس فرسي وقد نجحت خطتي وحيلتي”، فقال له صاحب الفرس: “لي طلب عندك”، قال: “وما هو؟” قال: “إذا سألك أحد: كيف حصلت على الفرس؟ فلا تقل له: احتلت بحيلة كذا وكذا، ولكن قل: صاحب الفرس أهداها لي”، فقال الرجل: “لماذا؟!” فقال صاحب الفرس: “حتى لا ينقطع المعروف بين الناس، فإذا مرّ قوم برجل منقطع حقيقة يقولون: لا تساعِدوه لأن فلانًا قد ساعد فلانًا فغدر به”. فنزل الرجل عن الفرس وسلمها لصاحبها واعتذر إليه ومضى. والخيانة من سمات النفاق، فالخائن بالضرورة منافق، وإلا فكيف سيُخفي خيانته إلا بالنفاق؟! ، وأشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون ،والخيانة مذمومة حتى مع الكفار، حتى مع الخونة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ». وقال الله تعالى : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]، وفي سنن أبي داود (عَنْ سَعْدٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِى سَرْحٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَأَمَّا ابْنُ أَبِى سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ « أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِى عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ». فَقَالُوا مَا نَدْرِى يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ أَلاَ أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الخيانة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللخيانة في حياتنا صور متعددة ، وأشكال كثيرة ، فهناك أنواع عَديدة من الخيانات، يقَع فيها الناس استهانة بأمرها، وهم لا يُدركون أنَّها من أبشَع أنواع الخيانة؛ فالخيانة لها أشكال متعدِّدة، نذكر لكم منها : – خيانة الله ورسولِه من خلال: تعدِّي الحدود، وتعطيلِ الفرائض، وانتهاك الحرمات. وخيانة العقيدة: وعقيدتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعدم تحقيق لا إله إلا الله في النفس وفي الغير خيانة لله، وتعطيل فرائض الله أو تعدي حدوده أو انتهاك محارمه وأنت مسلم خيانة لله، وعدم تطبيق الشريعة خيانة ، وأن يكون المسلم مطية لأعداء الله في تنفيذ مخططاتهم وما فيها من دمار للبلاد والعباد أو دليلاً لهم على عوراتها خيانة، – ومن صور وأشكال الخيانة : خيانة الوطن عن طريق: موالاة أعداء الله تعالى ومداهنتهم، والميل والركون إليهم. – ومن صور وأشكال الخيانة : خيانة العلم؛ بأن يُحرِّف العلماء كلامَ الله تعالى، أو يقولوا ما لا يعلمون، أو بكتمان ما أنزل الله تعالى. – ومن صور وأشكال الخيانة : خيانة الودائع؛ بعدم ردِّها، أو بإتلافها، أو بالمماطلة في أدائها. – ومن صور وأشكال الخيانة : خيانة تضييع الأهل؛ بإهمالهم، وعدم تعهدهم بالتربية والنصح والإرشاد. فمن الخيانة تضييع الزوجة والأولاد، فلا يؤدبهم ولا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر، – ومن صور وأشكال الخيانة : خيانة الأعراض، وإفشاء الأسرار الزوجية.– ومن صور وأشكال الخيانة : الخيانة في البيع والشراء والكسب غير المشروع، بأيِّ وسيلة كانت ، فالمسلم الحق يحرص على الحلال في مطعمه ومشربه، فلا غش ولا خداع ولا كذب، – ومن صور وأشكال الخيانة : خيانة المجالس وإفشاء أسرارها. – ومن صور وأشكال الخيانة : أن يُسنَد عمل إلى غير أهلِه، ومن معاني الخيانة أيضًا أن يستغلّ الرجل منصبه الذي عُيِّن فيه لجرّ منفعة إلى شخصه أو قرابته، فإن التشبّع من المال العام جريمة، وفي صحيح مسلم أنه (صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». – ومن معاني الخيانة أن يستغل الإنسان ما حباه الله من مواهب خصه بها أو أموال وأولاد رُزقها في معاصيه بدلاً من تسخيرها في قرباته واستخدامها في مرضاته، فأبواب الخيانة مُتعددة، ومداخلها مُتشعبة، وعلى كلِّ عاقل أن يحترز لنفسه حتى لا يورِدها المهالك، والخيانة لا تتجزَّأ؛ فهي صفة مَذمومة ومشؤومة بكلِّ المقاييس والأحوال، ولكن تخفُّ حدَّتها حسب ما هو مترتب عليها، قال الإمام الذهبي: “الخيانة قَبيحة في كلِّ شيء، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس مَن خانك في فَلْسٍ كمَن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم”.
أيها المسلمون
ولفَداحة هذه الآفة وشناعتها وبشاعتها، توارثَت الأجيال أقوالًا وحِكمًا وأمثالًا للتَّحذير منها، ومن مَغبَّة الوقوع فيها أو التلطُّخ بأوحالها. فمن الأقوال المأثورة عن الخيانة:- يقول أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه: “أكيس الكيْس التَّقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصِّدْق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة”. – وقال الإمام علي رضي الله عنه: “مَن ضيَّع الأمانة ورضي بالخيانة، فقد تبرَّأ من الديانة”.
الدعاء