خطبة حول حديث : ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)
فبراير 6, 2021خطبة عن الخصومة يوم القيامة ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )
فبراير 13, 2021الخطبة الأولى ( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد وغيره : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله – مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يدعونا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كمال الإيمان وحسن الخلق ، ففي هذا الحديث حث على حسن الخلق ، (حسن الخلق مع الله ، وحسن الخلق مع الناس) ، أما حسن الخلق مع الله : بأن يرضي الإنسان بشريعته ، وينقاد إليها ،مسلما راضيا مطمئنا بها ، سواء كان أمرا يأمر به ، أو نهيا ينهى عنه ، وأن يرضي الإنسان بقدر الله عز وجل ، وأن يكون الذي قدره الله عليه مما يحزنه ، كالذي قدر الله عليه مما يسره ، فيرضي بالله قضاء وقدرا ،وأمرا وشرعا ، هذا حسن الخلق مع الله ، أما حسن الخلق مع الناس : بكف الأذى ، وبذل الندي ، والصبر عليهم وعلى أذاهم ، فهذا من حسن الخلق مع الناس ، وأيضا من حسن الخلق مع الناس : أن تكف أذاك عنهم ، وتبذل نداك الندي ، (يعني العطاء) ، سواء مالا ، أو جاها ، أو غير ذلك ، وكذلك تصبر على البلاء منهم ، ومن حسن الخلق مع الناس : احتِمَالٌ لِلخَطَأِ، ، وَرَتقٌ لِلخَلَلِ ، وَعَفوٌ عَنِ الزَّلَلِ، وَسَترٌ لِلعُيُوبِ ، وَجَبرٌ لِلقُلُوبِ، والخُلُقُ الحَسَنُ : أَن تَصِلَ مَن قَطَعَكَ، وأَن تُعطِيَ مَن حَرَمَكَ، وأَن تَعفُوَ عَمَّن ظَلَمَكَ، والخُلُقُ الحَسَنُ : أَن تُطِيعَ اللهَ فِيمَن عَصَاهُ فِيكَ، وأَن تَفِيَ بِالحُقُوقِ الوَاجِبَةِ ، وَتَجُودَ بِالمُستَحَبَّةِ، وَأَن تَنقَادَ لِلحَقِّ ، وَتَكُونَ مُنصِفًا، وَتَرحَمَ الخَلقَ ، وَلا تُرَى مُلحِفًا، وَأَن تَسلَمَ مِن الطَّيشِ وَالعَجَلَةِ، وَتَصبِرَ وَتَتَحَمَّلَ، وَتكظِمَ الغَيظَ للهِ ،وَالخُلُقُ الحَسَنُ : لا يُمكِنُ أَن يَكُونَ مِمَّن سَاءَت عَقِيدَتُهُ ، أَو هَزُلَ تَوحِيدُهُ، وَلا أَن يَظهَرَ عَلَى مَن ضَعُفَ بِاللهِ يَقِينُهُ ، أَو نَسِيَ لِقَاءَهُ. وَكُلَّمَا رَأَيتَ نَفسَكَ مُتَحَلياً بِصَالِحِ الأَخلاقِ وَأَحسَنِهَا، مُتَّصِفًا بِمَحمُودِ الصِّفَاتِ وَأَجمَلِهَا، فَاعلَمْ أَنَّ ذَلِكَ أَثَرٌ عَن عَمِيقِ إِيمَانٍ مِنكَ بِرَبِّكَ، وَثمَرةُ تَصدِيقٍ بِوَعدِهِ وَيَقِينٍ بِلِقَائِهِ، فَاحمَدِ اللهَ وَاطلُبِ المَزِيدَ، مِصدَاقُ ذَلِكَ في كِلامِ اللهِ وَكَلامِ رَسُولِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – قَالَ الله سُبحَانَهُ وتعالى : ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177] ، وقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : ” لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ ” أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: ” المُسلِمُ مَن سَلِمَ المُسلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤمِنُ مَن أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِم وَأَموَالِهِم ” رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: ” مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكرِمْ جَارَهُ، وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكرِمْ ضَيفَهُ ” رَوَاهُ مُسلِمٌ.
أيها المسلمون
وَإِنَّ المُتَأَمِّلَ لِمَا عَلَيهِ كَثِيرٌ مِنَ الخَلقِ اليَومَ في تَعَامُلِهِم، مِن تَعَدٍّ ،وَتَجَاوُزٍ ،وَسُوءٍ خُلُقٍ، وَتَظَالُمٍ ،وَخِدَاعٍ ،وَهَضمِ حُقُوقٍ، لَيُدرِكُ كَم هُم بَعِيدُونَ عَن مُحَاسَبَةِ أَنفُسِهِم ، وَتَعَاهُدِ الإِيمَانِ في قُلُوبِهِم! ،فَالمُسلِم الَّذِي حَسُنَ إِسلامُهُ وَصَحَّ إِيمَانُهُ، وَجَعَلَ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ نُصبَ عَينَيهِ، لا يُمكِنُ أَن يَرضَى لِنَفسِهِ بِالدُّونِ ، أَو يُتبِعَهَا هَوَاهَا، وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّهُ إِلى اللهِ صَائِرٌ ،وَعَلَى مَا قَدَّمَ مُحَاسَبٌ، بَل لا تَرَاهُ إِلَّا عَالِيَ الهِمَّةِ ، قَوِيَّ الإِرَادَةِ، شَدِيدَ العَزمِ ،سَاعِيًا لِتَكمِيلِ نَفسِهِ، جَادًّا في تَلافي عُيُوبِهِ ، مُتَرَفِّعًا عَنِ الدَّنَايَا، بَعِيدًا عَن الاشتِغَالِ بِالصَّغَائِرِ، وَتَتَبُّعِ حَقِيرِ الأُمُورِ ; لا يَجِدُ في ذَاتِهِ عَيبًا إِلاَّ أَصلَحَهُ ،وَبَادَرَ بِمَحوِهِ مِن سِجِلِّ أَعمَالِهِ، وَلا حَسَنًا إِلاَّ استَبشَرَ بِهِ ، وَازدَادَ تَمَسُّكًا بِعُرَاهُ، قَالَ ابنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللهُ -: فَمَن عَلَت هِمَّتُهُ ، وَخَشَعَت نَفسُهُ، اتَّصَفَ بِكُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ، وَمَن دَنَت هِمَّتُهُ وَطَغَت نَفسُهُ، اتَّصَفَ بِكُلِّ خُلُقٍ رَذِيلٍ. وَقَالَ – رَحِمَهُ اللهُ -: فَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ لا تَرضَى مِنَ الأَشيَاءِ إِلاَّ بِأَعلاهَا ،وَأَفضَلِهَا وَأَحمَدِهَا عَاقِبَةً، وَالنُّفُوسُ الدَّنِيئَةُ تَحُومُ حَولَ الدَّنَاءَاتِ، وَتَقَعُ عَلَيهَا كَمَا يَقَعُ الذُّبَابُ عَلَى الأَقذَارِ ; فَالنُّفُوسُ العَلِيَّةُ لا تَرضَى بِالظُّلمِ وَلا بِالفَوَاحِشِ، وَلا بِالسَّرِقَةِ وَلا بِالخِيَانَةِ ; لأَنَّهَا أَكبَرُ مِن ذَلِكَ وَأَجَلُّ، وَالنُّفُوسُ المَهِينَةُ الحَقِيرَةُ الخَسِيسَةُ بِالضِّدِّ مِن ذَلِكَ
أيها المسلمون
وحسن الخلق ، ومكارم الأخلاق هي رسالة الإسلام، ففي سنن البيهقي وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ » وفي مسند أحمد : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ » فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصر بعثته على تلك المهمة الجليلة: أن يتمم مكارم الأخلاق، وقد جعل الله تزكية النفوس وإصلاحها بالفضائل والمكرمات إحدى وظائف النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (164) آل عمران، فمهمته صلى الله عليه وسلم هي تربية هذه الأمة ، فأحسن تربيتها في حياته، حتى صارت حياته وهديه فيها أسوة للذين يأتون من بعده، فصنع أمته على عينه، وقادها من الظلمات إلى النور، وتحولت العرب على يديه إلى أمة واحدة ، كأنها على قلب رجل واحد، متحابة في الله، ساعية إلى نشر دينه في أرضه، وبزغت في سماء الإسلام نجوم تدل على الحق ، وتهتدي بهدي رسولها الكريم ، فحول رعاة الغنم والأجلاف الأشداء إلى سادة وقادة يقودون العالم، وهم حفاة يسيرون حثيثاً على طريقٍ واحد: رضا الله ورسوله، بعدما عرفوا أنه هو الطَّريق إلى الجنَّة، وقد نبع هذا التحوُّل من داخلهم ليضربوا من بعد المثَل والقدوة لِمَن خلفهم، كيف تكون الحياة على منوال ما يريد الله؟
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويلخص الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته كل خصال البر في حسن الخلق ، ففي الحديث الذي يرويه مسلم : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ : « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ». ويدلنا صلى الله عليه وسلم على ما يثقل موازيننا يوم القيامة ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ :أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ » وفي رواية : « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ » ويبلغنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن المدخل إلى الجنة ، إنما يمر عبر بوابة حسن الخلق ، فقد روى الترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ : « تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ » فخيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، وقد صح عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ » وروى أبو داود وآخرون : ( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ » وفيه أيضا : (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا..) وروى الطبراني عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟، قال: (أحسنهم خلقاً)، وفي رواية لابن حبان بنحوه إلا أنه قال: يا رسول الله فما خير ما أعطي الإنسان؟، قال صلى الله عليه وسلم: (خلق حسن) .
الدعاء