خطبة عن (يُبتلى العبدُ ويُفتن لاختبار صدق وقوة إيمانه)
يونيو 21, 2025خطبة عن (وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)
يونيو 21, 2025الخطبة الأولى ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ » وفي رواية مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ».
إخوة الإسلام
من المعلوم لدينا جميعا أن الله تعالى يُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ يوم القيامة، ثُمَّ يَقْضِى بينهم بعدله، ويبدأ من المظالم بالْأَهم، وبما أَنَّ الدِّمَاء هي أَعْظم وأَهَمُّ ما يكون من المظَالمِ ،فِإِنَّهَا أَوْلُ مَا يُقْضَى بِهِ منها في ذلك اليومِ العظيمِ، وهذا فيما بين العباد في المظالم، أما أعمال العبد فأول ما ينظر فيه الصلاة، والذنوب تعظم بحسب عظم المفسدة الواقعة بها ،أو بحسب فوات المصالح المتعلقة بعدمها ،ومن المؤكد أن هدم البنية الإنسانية بالقتل لهي من أعظم المفاسد ،ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله – تعالى – أعظم منه ،وقد عظَّم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم شأنَ التعرُّض لدماءِ الناس، وحذر كثيرا من ذلك، ففي سنن ابن ماجه : (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ « مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا ».وفي سنن الترمذي : (نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ) ،كما أكد صلى الله عليه وسلم في خطبته المشهورة حرمة سفك دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى بَكْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ النَّحْرِ ، قَالَ « أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ « أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « أَيُّ شَهْرٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ « أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « أَيُّ بَلَدٍ هَذَا » . قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . قَالَ « أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ » . قُلْنَا بَلَى . قَالَ « فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ . أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ » . قَالُوا نَعَمْ . قَالَ « اللَّهُمَّ اشْهَدْ ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ » ، وفي الصحيحين أيضا : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ »، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا يَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ » ،فماذا عسى أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب؟!
أيها المسلمون
فإياك إياك الوقوع في دماء المسلمين فإنَّ مما عُلِمَ من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم المسلم ؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال ، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث ؛ ففي الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ ».، وما عدا ذلك ، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ، بل من الدنيا أجمع ، ففي سنن البيهقي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : لَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا)، ثم تبصّر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام ، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا »، وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [ النساء : 93 ] قال ابن كثير: ( وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ، ومما لا شك فيه أن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول تعالى: ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) [ النساء : 93 ] ، وقد اختلف السلف في هذه الآية فذهب بعض الصحابة إلى أنَّ هذه الآية محكمةٌ وأنها آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون : هي منسوخة بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) النساء (48) ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه: إن هناك قضايا، لن يقضى فيها إلا يوم القيامة، ربما تكون -كما يقولون- قيدت ضد مجهول، أي: أننا ما عرفنا الجاني، أو أنه تكون هناك ملابسات تجرم البريء وتعفي الجاني. وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله تعالى في باب الجنايات قصة نوردها هنا، قال: كان عند رجل جزار شاتان، وعند الفجر قام ليذبحهما، فذبح واحدة وشردت الأخرى فتبعها، فدخلت خربة، فدخل وراءها فأمسك بها، فإذا برجل يتشحط في دمه في تلك الخربة، ودخل الحرس فوجدوا الجزار والسكين في يده ملطخة بالدم، والرجل القتيل يتشحط في دمه، قالوا: أنت قتلت هذا؟ قال: نعم. فأخذوه وذهبوا به إلى الوالي، كان في زمن علي رضي الله تعالى عنه، قالوا: هذا ذبح هذا، والسكين في يده، قال: قتلته؟ قال: نعم، وحكم عليه بأن يقتل قصاصاً، وحدد اليوم والساعة لتنفيذ القصاص، وعندما حانت الساعة سيق إلى الميدان ليعدم، وجيء به، والناس مجتمعون، فإذا برجل من وسط الجموع يخرج ويقول: لا تقتلوه، أنا القاتل. وأُوقف القصاص وذهبوا به إلى الإمام علي ، فقال للجزار:: أنت القاتل؟ قال: لا، والله ما قتلته، القاتل جاءكم بنفسه، قال له: فلماذا قلت في المرة السابقة أنك القاتل؟ فقال الجزار: وجدت نفسي في موقف لا ينفع فيه الإنكار مهما أنكرت ومهما أقسمت، فهذا قتيل يتشحط في دمه، وهذه سكين في يدي بدمها، لو قلت دم الشاة أو دم غيرها من يصدقني، فأردت أن أختصر الطريق وأهون على نفسي التعذيب. قالوا للآخر: وأنت ما الذي جاء بك؟ قال: والله تذكرت، وقلت: الذي قتلته عدو وخصم لي، وهذا المسكين البريء كيف أتسبب في قتله ولا ذنب له، فعظم علي في نفسي أن أتحمل نفسين في وقت واحد -فكأن بذرة الإيمان لا تزال فيه- فقال علي رضي الله تعالى عنه: لئن كنت قتلت نفساً فقد أحييت نفساً، وطلب من أولياء الدم العفو ودفع الدية من عنده.
أيها المسلمون
إن مِن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله : قتل مسلم بغير حق ،فعن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني ، وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) رواه الترمذي ،وصححه الألباني ، فالواجب على كل مسلم أن يسعى أن يلقى الله تعالى وليس في صحيفته سفك دم لمسلم بغير حق .
الدعاء