خطبة عن (الْخِيَانَةُ بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ)
يونيو 24, 2025الخطبة الأولى (إرَادَةُ الْإِصْلَاح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء: (35)، وقال تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) البقرة:228، وقال نبي الله شُعَيْبُ لقومه: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (88) هود.
إخوة الإسلام
(الْإِصْلَاح): نقيض الإفساد، وهو يدل على إزالة الفساد، و(المصلح): هو الصالح في نفسه، والمصلح في أعماله، والمصلح لغيره، ويُعرف (الْإِصْلَاح) اصطلاحاُ: أنه إزالة الخلل والفساد الطارئ على الشيء، أو: إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله، بإزالة ما طرأ عليه من الفساد.
والْإِصْلَاح هو عطرُ الإيمان، وهو ربيعُ قلبِ الإنسان، وهو المنارةُ التي تنشرُ الأمانَ والودادَ بين القلوبِ، وهو نعمة يهَبُها الله للأصفياءِ والأتقياءِ وأنقياءِ السّرائر والضّمائر من عباده، فيحرّكون بصدقِ محبّتهم ونُبل نواياهم نبضَ المحبّة في المشاعرَ والقلوب، بعدما تراكمت فيها الشّحناء والبغضاء،
والمصلحون يحققون التوازن بين النفوس، ويصلحون الصدع بين الافراد والقبائل والجماعات والشعوب، والكل يثني ويصفّقُ للمُصلح، وله تحني الهامات احتراماً وتبجيلا، فالمصلحون هم شعراء الحبّ، وهم كتبةُ المواثيق الطاهرة، وهم حاملو مشاعل النور في ليالي العَتَمة. فالمصلح: هو من يسقي ضفاف القلوب الجافّة فَتُعشب وتخضرّ، وهو من يَجلُو أماراتِ الغضَب من فوق الوجوه فتُشرق، فهو طَودٌ شامخ، وداعيةٌ مُبدع، وإنسانٌ أصيل، يؤلّفُ بين القلوب ويحققَ سلاماً، ويزرعَ مودّة،
وآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الأمين ﷺ الكثير منها يدل على فضل الإصلاح، وأنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا من المصلحين، وهناك فرق بَينَ الصَّلاحِ والإصلاحِ: فالصَّلاحُ: هو القيامُ بحَقِّ اللهِ، وبحَقِّ عِبادِه؛ فالصَّالحُ: هو الذي يقومُ بحُقوقِ اللهِ، بأداءِ فرائِضِه، وتَركِ محارِمِه، ويؤدِّي حَقَّ العبادِ، كأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الأرحامِ، والعَدلِ بَينَ النَّاسِ، وبَذلِ السَّلامِ، وعيادةِ المريضِ، ورعايةِ حَقِّ الجارِ، ونحوِ ذلك.
أمَّا الإصلاحُ: فهو وَصفٌ زائدٌ على الصَّلاحِ؛ فهو العَمَلُ على إصلاحِ النَّاسِ، وتوجيهِهم وإرشادِهم، وأمرِهم بالمعروفِ، ونَهْيِهم عن المنكَرِ، والأخذِ على يَدِ السَّفيهِ، ونحوِ ذلك، وليس كلُّ صالحٍ مُصلِحًا؛ فإنَّ من الصَّالحينَ مَن هَمُّه هَمُّ نَفسِه، ولا يهتَمُّ بغيرِه، وتمامُ الصَّلاحِ بالإصلاحِ.
أيها المسلمون
وللإصلاح أقسامُ، منها: (إصلاحُ النَّفسِ- وإصلاحُ الغَيرِ- الإصلاحُ بَينَ النَّاسِ)، وقد ورَد الإصلاحُ في القرآنِ الكريمِ، في مواضِعَ مُتعدِّدةٍ، وبمعانٍ مُختلِفةٍ؛ كإصلاحِ عقائِدِ النَّاسِ، وإصلاحِ أخلاقِهم، وبهما تصلَحُ دُنيا النَّاسِ وآخِرتُهم، كما دعا القرآنُ الكريمُ إلى الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، وحثَّ على إزالةِ أسبابِ العَداواتِ، وقد أثنى الله سبحانَه وتعالى على المُصلِحينَ؛ فقال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف:142] وقال تعالى حكايةً عن نبي الله صالِحٍ (عليه السَّلامُ): (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء:151-152]، وقال تعالى واعِدًا المُصلِحينَ بالأجرِ: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170]، وقال تعالى في الحثِّ على الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114]. وقال تعالى آمِرًا بإصلاحِ ذاتِ البَينِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال:1]،
كما ورد الاصلاح في السُّنَّةِ النبويةِ المطهرة: ففي الصحيحين: (أن رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا»، (ففي الحديث الرُّخصةُ لأن يقولَ في الإصلاحِ بَينَ المُسلِمينَ ما لم يَسمَعْه مِن الذِّكرِ الجميلِ، والقولِ الحَسنِ؛ ليستلَّ به مِن قلبِ أخيه السَّخيمةَ، والدَّلالةُ على أنَّه ليس فيه بكاذِبٍ، ولا آثِمٍ)، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ – قَالَ – تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ..): فيحتمِلُ أن يُرادَ به العَدلُ في الأحكامِ مِن القُضاةِ والأمراءِ، ويحتمِلُ أن يُرادَ به الإصلاحُ بَينَ النَّاسِ، وفي مسند أحمد: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ». قَالُوا بَلَى. قَالَ «إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».
أيها المسلمون
وللإصلاح مجالات كثيرة ومتعددة، ومنها: إصلاح العقيدة: فقد اتجهت جهود الأنبياء والمصلحين إلى إصلاح عقائد المجتمعات قبل كل شيء، فكل نبي أرسله الله ليدعو قومه إلى إصلاح عقيدتهم، فأول ما يخاطب النبي قومه: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (الأعراف :59)، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى إصلاح العقيدة، ويقول لقومه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا» رواه أحمد، وفي الصحيحين: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا».
ومن مجالات الإصلاح: إصلاح الأخلاق: فالإسلام يدعو إلى إصلاح النفس، وحسن الخلق، قال عز وجل في حق رسولنا صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159). وفي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»، وفي رواية أحمد: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ»، وفي مسند أحمد: (قال جَعْفَرُ بْنُ أَبِى طَالِبٍ للنجاشي ملك الحبشة: (أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحاَرِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ).
ومن مجالات الإصلاح: الإصلاح بين الناس: ففيه مصالح كثيرة، وقطع الشحناء والخصومة ،والتأليف بين القلوب، فإذا تنازع اثنان أو جماعة فأصلحوا بينهم؛ لأن المؤمنين إخوة، كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات:10]، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) [الأنفال:1]، وقال تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء:128]، وفي إصلاح جماعة المؤمنين وطوائفهم، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]. ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه من أهل قُباء اختلفوا ذهب للإصلاح بينهم، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (أنَّ أهلَ قُباءٍ اقتَتلوا حتى ترامَوْا بالحجارة، فأُخبِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: اذهبوا بنا نُصْلِحُ بينهم) رواه البخاري، والأمر بإصلاح ذات البين جاء في قول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال:1)
ومن مجالات الإصلاح: الإصلاح بين الزوجين: فالسعادة الأسرية، والاستقرار العائلي، مطلب ضروري من ضروريات هذه الحياة، فالهدف من الأسرة هو حصول السكينة والمودة والرحمة بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني، لذا فقد قال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء:128، وقال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء: (35)
ومن مجالات الإصلاح: إصلاح مال اليتيم: قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (220) البقرة،
ومن مجالات الإصلاح: إصلاح الصبي والفتاة: فيجوز للولي والمعلّم عقاب الصبي والفتاة للتأديب والإصلاح ما لم يتجاوز المعتاد.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إرَادَةُ الْإِصْلَاح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن فوائِدُ الإصلاحِ: فالإصلاح فيه طاعةٌ للهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم، وفيه رُجوعُ النَّفسِ إلى الطَّريقِ الصَّوابِ، وقَهرُ أهلِ البَغيِ والجَورِ والشُّرورِ والآثامِ، ومن فوائِدُ الإصلاحِ: أنَّ الإصلاحَ يُجنِّبُ الأمَمَ الهلاكَ، وأنَّه مِن أبوابِ الأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وأنَّ الإصلاحَ بَينَ النَّاسِ ينزِعُ الأحقادَ والكراهيَةَ مِن القُلوبِ، ومن فوائِدُ الإصلاحِ: تُخلِّصُ النَّفسَ مِن انحرافِها وخُروجِها مِن دائِرةِ فسادِها، والتَّخلُّصُ مِن الفسادِ والمُفسِدينَ، وإزالةُ مُنكَراتِهم وشُرورِهم. ومن فوائِدُ الإصلاحِ: فبالإصلاحِ بَينَ النَّاسِ تنقلِبُ العَداوةُ صداقةً، والبَغضاءُ حُبًّا، والإصلاحُ بَينَ المُتخاصِمينَ يُؤدِّي إلى التَّعاوُنِ، والتَّناصُرِ فيما بَينَهم، والإصلاحُ بَينَ المُتخاصِمينَ يُؤدِّي إلى الأُلفةِ والاجتِماعِ على الخيرِ.
أيها المسلمون
أما عن جزاء المصلحين: فإن الاصلاح لا يقوم به إلا مُحب للخير، ومُحِب لله تعالى، ومُحب لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومُحتسب يجيد عبادة الاحتساب، فهو يرجو ما عند الله من عظيم الأجر في الإصلاح، نعم هو يقوم بمجهود عظيم، ولكن أجره عند الله بغير حساب، قال الله تعالى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170]، وقال تعالى: (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114]. وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ». قَالُوا بَلَى. قَالَ «صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».
والمصلحون سعداء مطمئنون، جعل الله في قلوبهم السعادة والأمن والاطمئنان، جزاء ما يقومون به؛ فالجزاء من جنس العمل، فكم ألّفُوا بين الأزواج، وكم أصلحوا بين الإخوة والأقارب والجيران، وكم أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وكم بذلوا من أوقاتهم وجهدهم وعرقِهم، ولذلك يقول الله تعالى: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأنعام:48].
الدعاء